كيت وينر*

منذ خمس سنوات رأيت تقريرًا تلفازيًا عن مقاتلي حرب العراق حيث كانوا يعالجون في كاليفورنيا من نوع جديد من الإصابات العقلية، ولقد صدمت عندما رأيت إحدى المجندات التي لم تعد تستطيع التعرف على ابنتها، لذا حاولت تتبع المعالج الذي يقوم بمداواتها وبدأت في رحلة لتسعة أشهر قمت فيها بمحاورة عشرات من المقاتلين السابقين الذين لديهم إصابات عقلية وأجريت حوارات مع أسرهم أيضًا، وفي النهاية تحويل تلك المأساة التي تفطر القلب إلى مسرحية. هؤلاء المقاتلون السابقون لديهم نوع معين من الإصابة العقلية تنتج عن التعرض المتكرر للارتجاج نتيجة للمتفجرات التي تزرع على جانبي الطرق، وذلك كان يعد حدثًا روتينيًا بالنسبة للجنود الذين يتنقلون على الطرق في العراق وأفغانستان. يقول أحد الجنود السابقون الذين تعرضوا لتلك التفجيرات: «إنها مثل لعبة الروليت الروسية، فكان لدينا جندي برفقتنا تعرض لتلك التفجيرات تسع مرات قبل أن تذهب العاشرة بعقله»، فتلك المتفجرات على جانبي الطرق يمكن أن تعني القتل أو فقدان ذراع أو رجل، ولكن لا يتطلب الأمر إصابة مباشرة لكي تشعر بتأثيراتها، فقد أوضح أحد الجنود السابقون - الذي تعرض إلى 26 تفجير - قائلاً: «إنك تشعر كأن أحدا ضربك بفأس في رأسك، عندما تتعرض لها فإنك لا تدري حينها إذا كنت حيًا أم ميتًا». الأنباء التي وردت بأن روبرت بيلز، رقيب الجيش المتهم بقتل 16 مدنيًا أفغانيًا، كان قد عانى من إصابة عقلية حادة دفعته إلى إطلاق نوبة من رسائل البريد الإليكتروني الغاضبة للصحفيين الذين يحاولون أن يكشفوا حقيقة ذلك المرض المنتشر وغير المشخص أيضًا المتعلق بجروح الحروب، فبدأت أخبار جديدة تظهر عن الرقيب ذلك يوميًا، فبعدما سمعنا عن إصابة الدماغ التي تعرض لها ونتجت عن انقلاب سيارته بسبب انفجار عبوة على جانب الطريق، علمنا أنه فقد أجزاءً من قدمه في حادثة منفصلة. ربما يستطيع آخرون من المحترفين في مجال التحليل النفسي أن يقوموا بتحليل تلك الأحداث، ولكن ما علمته من خلال عملي ككاتبة قصصية هي أن تلك المأساة ربما تتعلق بشيء سمعت عنه أثناء أحد حواراتي، وهو وجود توليفة قاتلة من اختلال ما بعد الصدمات وما بين إصابات العقل البالغة. وقد صرح مسئولون من وزارة الدفاع أن إصابات الدماغ لهذا الرقيب لم تكن مؤثرة، وتم تخصيص أحد أفراد الجيش في قاعدته في أفغانستان من أجل إجراء تحقيقات حول تلك الواقعة، وكل ذلك من المؤكد أنهيتم نشره في حملة إعلامية كبرى، بعدما يعلم الجميع أن هناك عشرات الآلاف من المجندين السابقون لديهم مثل تلك الأعراض التي لم يلحظها أحد.لقد قمت بإجراء حوار مع أحد المقاتلين الضباط، وهو رجل حنون وأب وفي ومحبوب بين جنوده، فقد أخبرني كيف أنه كان يتعرض إلى نوبات غضب مفاجأة لا يستطيع التحكم فيها عندما كان في العراق، وكان يجب على جنوده أن يقوموا بالسيطرة عليه، ثم بعد ذلك يشعر بالندم والخجل، ومن حسن حظه أنه تم تشخيصه بصورة صحيحة على أنه اختلال ما بعد الصدمة وخلل في الدماغ أيضًا، ولذلك لم يتم إعادة نشره في العراق، ولكن للأسف فإن عدم استطاعته التحكم في غضبه المتفجر جعل من غير المأمون عليه أن يستمر في العيش مع زوجته وابنه.

إن تداعيات الحروب مأساوية، وكلنا مذنبون لأننا ندير وجوهنا بعيدًا عن الذكريات المخجلة والمؤلمة لتلك الحروب.

* * *

* قاصة وكاتبة مسرحية - (نيويورك تايمز) الأمريكية