جوليز ويتكفر *
هناك إصرار أمريكي على مهمة بناء الدولة في كل من العراق وأفغانستان تحت ستار خفض الوجود الأمريكي هناك. وفي كل حالة من الحالتين تم إرسال القوات المسلحة الأمريكية بغرض معلن ومحدد.فمنذ أحد عشر عاما ذهبت القوات الأمريكية إلى أفغانستان انتقاما من المسلحين الذين نفذوا هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 ضد نيويورك وواشنطن والإطاحة بنظام حكم حركة طالبان الأفغانية التي كانت تحتضن هؤلاء المسلحين.وكانت هذه القضية عادلة بالنسبة للأمريكيين وتمت المهمة بنجاح.وبعد ذلك بعامين أي في 2003 تم غزو العراق بحجج ملفقة عن امتلاكه أسلحة دمار شامل وهو ما يبرر استخدام العمل العسكري للإطاحة بحكم الرئيس العراقي في ذلك الوقت صدام حسين.وتحققت بالفعل هذه المهمة بصورة جيدة أيضا.ولكن الثمن الذي دفعه الأمريكيون من أموالهم وأرواحهم ومازالوا يدفعونه غير مبرر.ففي كل حالة من الحالتين لم تكن مهمة إعادة بناء الدولة ضمن الأهداف المعلنة الأصلية.ولكن هذا هو ما حدث في الحالتين ومازال يحدث حتى اليوم وسيظل كذلك في المستقبل المنظور. في حملة الانتخابات الرئاسية عام 2000 أعلن المرشح الجمهوري في ذلك الوقت الذي فاز بالرئاسة لاحقا جورج بوش الابن في مناظرة مع منافسه آل جور أنه لا يريد اشتراك أمريكا في أي عملية لبناء دولة في أي مكان بالعالم.ولكن بمجرد انتخابه انغمس في هذه العملية سواء بعد الحرب المبررة في أفغانستان أو الحرب غير المبررة في العراق.
وبعد ثماني سنوات من رئاسة بوش جاء المرشح الديمقراطي لانتخابات 2008 باراك أوباما وقال: إنه يعتزم إنهاء المهمة الأمريكية في العراق والعمل على إنهاء المهمة في أفغانستان التي وصفها بالحرب الصائبة.ولكن سرعان ما تبنى الرجل الذي أصبح رئيسا هدف بناء الدولة في الدولتين وما انطوى عليه ذلك من نشر قوات إضافية في أفغانستان بدعوى تحقيق الاستقرار.وبناء على نصيحة المستشار العسكري الأمريكي بشأن ما يمكن عمله في العراق قرر أوباما سحب كل القوات الأمريكية المقاتلة من هناك ويعتزم تكرار الخطوة في أفغانستان عام 2014.ولكن سيظل الكثير من العسكريين والمدنيين الأمريكيين منتشرين هناك لفترة لا يعلمها أحد بدعوى تدريب القوات المحلية ومساعدة السلطات الوطنية في البلدين. فإذا لم تكن هذه المهمة بناء دولة فماذا تكون؟ بغض النظر عن اسمها فإن الشعب الأمريكي أعلن بصوت مسموع من خلال العديد من استطلاعات الرأي أنه فاض به الكيل من الوجود في العراق وأفغانستان.
وقد تكررت الحوادث المأساوية من جانب جنود أمريكيين في أفغانستان وهو ما يشير إلى أنه حتى القوات لم تعد قادرة على الاستمرار هناك.ثم جاء الرئيس الأفغاني حميد قرضاي ليدعو القوات الأمريكية إلى مغادرة بلاده.
ورغم أن هذه الدعوة ربما كانت للاستهلاك المحلي فإنها يمكن أن توفر فرصة للرئيس أوباما لكي يسرع بسحب القوات من هناك.
لا يجب أن تكون هذه القضية مجرد ساحة للسجال الانتخابي بين أوباما ومنافسه الجمهوري المحتمل ميت رومني وإنما يجب أن يتم مناقشتها على أساس الحكمة من البقاء في أفغانستان أو العراق والثمن الذي تتكبده أمريكا لذلك. ولكن للأسف كل المؤشرات تقول: إننا سنعيش نفس السيناريو الذي يتكرركل أربع سنوات دون نتائج حقيقية.
* * *
*(شيكاغو تريبيون) الأمريكية