المراقب المحايد للمشهد السياسي في كل من البحرين وسوريا لا بد أنه لاحظ كثيراً من المتناقضات وقليلاً جداً من المشتركات بين ما يجري في البلدين، وإن مقارنة بين ما يجري في كل منهما سوف توضح للقارئ المتجرد من الأهواء الحجم الهائل للفارق بينها، فلننظر أولاً إلى واقع مشروعية الحكومتين، ثم نعرج على الممارسة الفعلية لكل من هاتين الحكومتين تجاه شعبيهما، وبعد ذلك سوف ننظر إلى الواقع في كل من البلدين، ومن هي الأيدي الخفية التي تحرك الاحتجاجات في البحرين، وما إذا كان هناك من أيد خفية تحرك الثورة في سوريا.
فلننظر أولاً إلى واقع شرعية الحكومتين البحرينية والسورية، وحينئذ سوف نجد أن الشرعية في البحرين تستند إلى أكثر من مائتين وخمسين عاماً من الحكم الملكي المنسجم مع البيئة القبلية الخليجية، والذي هو نظام ملكي معلن ارتضاه شعب البحرين منذ قرون شيعته قبل سنته؛ بمعنى أن النظام يستند إلى شرعية لا مجال لمقارنته بشرعية عائلة الأسد التي لا تستند إلى أي إرث تاريخي، ولم يوافق عليها سوى أفراد قاموا بانقلاب عام 70م، ومن ثم انقلب عليهم الأسد الأب بعد أن انتهت مهمتهم.
إن شرعية النظام السوري قائمة 100% على القتل والقمع وترهيب المواطنين، إنها شرعية المافيا التي تستند إلى أقلية هي الطائفة العلوية مستفيدة من هذا النظام وبعض التجار والمتنفذين من الطوائف الأخرى الذين يعتمد بقاؤهم على بقاء هذا النظام، إنها شرعية تحويل سوريا إلى سجن كبير لا يوجد له مثيل، كما أنها شرعية بيع شعارات المقاومة والممانعة من جهة والتعامل مع أعداء الأمة من الجهة الأخرى.
نأتي إلى الممارسة الفعلية لكل من النظامين داخل بلده مع مواطنيه، ولنبدأ بمملكة البحرين حيث نجد أن كرامة المواطن البحريني محفوظة من النظام تجاه مواطنيه، بينما نجد كرامة المواطن السوري مهدرة ومستباحة بشكل ممنهج ومنظم من قبل النظام السوري، ثم لننظر كيف تعامل النظام في البحرين مع أحداث الشغب المسيّرة والموجهة من الخارج (إيران - حزب الله - النظام السوري)، حيث إن النظام الحاكم في البحرين (وعلى الرغم من وضوح تآمر قادة المتظاهرين في البحرين مع الفرس وأذنابهم في المنطقة بشكل لا يحتاج إلى دليل) قد أعطى المتظاهرين أكثر من شهر كفرصة للتجمع والتظاهر ونصب الخيام والبقاء ليلاً ونهاراً بأمل عدم الإخلال بالنظام العام، ولكن بعد أن تمادى المشاغبون والمتظاهرون واحتلوا بعض المقرات الحكومية والمستشفيات وأصبحوا يشكلون خطراً على بقية المواطنين، بدأ النظام في البحرين باستعمال القوة المنضبطة أيضاً للحفاظ على الهدوء والسلم الأهلي، وكانت النتيجة عدداً من القتلى لا يزيد على الأربعين من الطرفين، ثم قام النظام باستدعاء لجنة دولية للتحقيق فيما جرى من أحداث ومحاسبة المتورطين، وإعلان الحكومة استعدادها للبدء في عدد من الخطوات استجابة للمطالب المشروعة (والمشروعة فقط) للمتظاهرين.
ونحن هنا لا ندافع عن النظام الحاكم في البحرين، ولكننا فقط نقارن بين نظامين في طريقة تعاملها مع شعبيهما.
ولننظر الآن إلى ممارسة النظام السوري تجاه ثورة شعبه، فهو منذ الدقيقة الأولى للمظاهرات الشعبية التي أشعلتها ممارسات النظام القمعية الشديدة القسوة في درعا حين بدأ النظام بقتل الناس بالجملة بقصد إخافة البقية من شعبه، كما كان يفعل منذ أربعين عاماً.
وعندما انكسر حاجز الخوف لدى هذا الشعب ولم تنفع حملات التخويف جن جنون النظام وانتقل من القتل إلى الإبادة الجماعية؛ حيث إن هذا النظام المخابراتي الذي يدير الدولة بأسلوب العصابات المجرمة لا يعرف إلا لغتين: إما لغة القتل والبطش، وإما لغة التذاكي وترويج الأكاذيب عن وجود مسلحين وإرهابيين بينما هو من قام بزرعهم؛ إما على الأرض أو في أذهان الناس، حيث يقدر عدد من قتلهم النظام منذ اندلاع الثورة، وحتى الآن بأكثر من تسعة آلاف شهيد، ونحن نعتقد أن القتلى يتجاوزون ذلك بكثير، والمعتقلون يعدون بمئات الآلاف ناهيك عن التعذيب اللا إنساني لهؤلاء المعتقلين.