تقول آخر الإحصاءات إن ما يقارب 955 ألف سعودي وصلوا إلى دبي في إجازة الطلاب هذا الأسبوع، وإن ما يقارب عدد المركبات السعودية التي عبرت جسر الملك فهد صوب البحرين بلغت ما يقارب 200 ألف مركبة، في الوقت الذي ابتهجنا جميعاً بقرار السماح لشبابنا بالدخول إلى المجمعات التجارية، على أن يعاقب من يؤذي العائلات أو يتحرش بالنساء، وهو قرار حكيم ومهم، لكنه يكشف عن جزء من أسباب هذه الهجرة الجماعية التي يمارسها السعوديون إلى الخارج مع كل إجازة، بل مع كل (رائحة إجازة) حتى لو كانت إجازة اليوم الوطني!.
هل يذهب السعوديون في هجرة جماعية، أشبه بالغزو، إلى دبي والشارقة والدوحة والبحرين والكويت، بسبب اختلاف الطقس؟ طبعاً لا، فالمناخ في دول الخليج العربي متشابه تماماً. هل يذهبون بحثاً عن البحر؟ أيضاً لا، لأن لدينا في البلاد أطول شواطئ في المنطقة، بل إن بعض هذه الشواطئ تعتبر بكراً، ونظيفة كما لو كانت في أجمل بلدان العالم. إذن لماذا نذهب جميعاً هناك؟ أتمنى أن يجيب على هذا السؤال من لديه الإجابة!.
نحن لا نحاول أن نسن قانون ونظام للأحوال الشخصية، والتعاملات، واحترام المرأة وحفظ خصوصيتها، ثم نترك الجميع يعيشون بسلام، بل نمارس ثقافة المنع التي لن تجلب إلا المزيد من التمرد والانتهاكات، فلو فرض قانون حاسم وشديد بشأن التحرش اللفظي والجسدي، يصل إلى عقوبة السجن والتشهير، لوجدنا معظم شبابنا يسيرون في المجمعات التجارية بكل أدب واحترام، دون أن يجرؤ أحدهم في مجرد التفكير بإزعاج العائلات والنساء، حتى لو كشفن وجوههن في الأماكن العامة، ومارسن حياتهن بكل بساطة كما في دول الخليج المجاورة.
يجب أن نقتنع أن ما يتوفر في دول الخليج العربي المحيطة بنا، هو مجرد نسمة هواء حرّة فحسب، أن يجلس زوج وزوجته في مقهى يطل على البحر، يتناولان كوبين من القهوة، هو الحلم بالنسبة للسعوديين، وهو حلم بسيط وبدائي، لكنه لن يتحقق طالما نحن نسير بأنظمة المنع والحجب لا السماح وقانون العقوبات.
الغرابة فعلاً، هو ما وصل إليه السعوديون من حس عال وخطير في النكتة، إلى درجة أن العرب أدركوا أنهم تفوقوا حتى على المصريين في السنوات الأخيرة، خاصة مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي وأجهزة الاتصال الذكية، والنكتة عادة حينما تظهر لدى شعب، يسخر مما حوله، وربما يسخر حتى من نفسه، هو مؤشر على حدّة درجة الإحباط التي وصل إليها.
يقول أحدهم في الإنترنت تعليقاً على سفر السعوديين إلى الخارج خلال هذه الإجازة، أن هذا غزو وليس سياحة، ويقول آخر بسخرية مرّة ولذيذة: آخر واحد يطلع من السعودية، يطفي اللمبات، ويسكّر الباب، ويحط المفتاح تحت برج المملكة لا تنسرق!.