يملك عبد الرحمن الراشد حساسية في التعبير لا تختلف عن حساسيته في العمل، وعندما قال: “إن العربية ليست حيادية ولكنها مهنية” يكون قد أسس لمفهوم جديد في الإعلام، بعيداً عن الفلسفات المثالية متجهاً إلى فلسفة عملية واقعية، فالإعلام لا حياد فيه ولا يمكن أن نخدع أنفسنا ونقول إننا حياديون في الإعلام مثلما أننا لسنا حياديين في شعر المديح.
الراشد قال جملته المشهورة دون أن يتلقاها الإعلاميون بمحمل الجد، لأنهم غير قادرين على أن يكونوا كالراشد صادقين مع آلتهم الإعلامية، قال الراشد أشهر جملة يمكن أن تُقال في القرن الواحد والعشرين دون أن تنتشر إعلامياً، ولكن الراشد تميّز بها وعُرف بها وأسس لها.
“العربية ليست حيادية ولكنها مهنية” فلسفة إعلامية آنية ما زالت في طور الفهم، ولكن الراشد فهمها قبل الجميع، قالها بكل شجاعة فلم تؤثّر على مكانته، بل زادته رسوخاً وأكَّدت كم هو أكثر وعياً، تلك الجملة تجمع كل خبرات السنين، إنها درس ميداني عميق وليست درساً أكاديمياً وثيرا.
عندما يشرع الراشد في شرح فلسته تلك نراه يقول ما نصه: “هذه إجابة موجهة للذين يحبون القناة كثيراً أو يختلفون معها كثيراً، أن يفهموا طبيعتها. المهنية قواعد عمل لا تتبدل، أما الحيادية فهي موقف منحاز وقد يتغيّر. انظر الآن إلى التحالفات كيف تغيّرت، الأخيار صاروا أشراراً، والوطنيون صاروا أعداء الأمة. “العربية” لم تتغيّر في كيفية تناولها الأحداث والقضايا، اطلاع المشاهدين على ما يجري دون صياغته وفق توجهاتنا الفكرية والسياسية. هذه مهمة أصحاب الرأي وكذلك هي مهمة المشاهد الذي يقرّر لنفسه. هل تتذكر سمير قنطار؟ عندما أطلق سراحه كأقدم سجين زفته المحطات في مثل العرس، وشاهدنا حفلات طبول ورقص. أين هو اليوم؟ ما موقف الناس منه؟ الرجل صار اليوم مكروهاً وعدو الأمة بسبب مجاهرته بتأييد النظام وصراحته في تأييد قتل العزّل السوريين. المهنية أن تقدّم الحقيقة بحواشيها لا أن تفرض على الناس رأيك. وهذا ينطبق على أبطالهم السابقين القذافي والأسد ونصر الله وصالح، وكل الذين كانوا يعيروننا بهم”.. انتهى كلام الراشد.
سر قوة تلك الجملة أن الكثير يصادقون عليها في وقت لا يستطيعون تبنيها، الممارسة الإعلامية ليست حيادية كواقع يشهده الكل، ولكن المهنية تعود إليك: إما مهني أو غير مهني، فهي مهارة مكتسبة تطورها أو لا تطورها: هذا يعتمد على نسبة ما تحمله من صدق تجاه مهنتك وبهذا يكون الإعلامي غير حيادي ولكنه صادق، أما إذا كان غير حيادي وغير صادق، هنا يكون (البهتان).
الراشد مدرسة إعلامية لا تنضب وهذا هو سر التفاف الإعلاميين حوله، فمن يتعامل معه أو يقرأ له أو يشاهده لا يفارقه ويشعر بحضرته أنه يكبر إعلامياً بشكل مطرد.
nlp1975@gmail.com