النظام العام في رؤيته المقاصدية، أو صفته الحيوية، هو منظومة من القواعد، والضوابط، التي تنظم استقرار الحياة الإنسانية، وتوازنها على - كافّة - الأصعدة الأمنية، والاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية. وعندما تُفتقد هذه
التوازنات، بسبب اختلاف الأهواء، والآراء، فإن عامل الشر، وعنصر الخطر، سيكون حاضرا بقوة، وسيحيط بالحياة الإنسانية.
حسنا، إذا كان الأمر كذلك، فإن القراءة الأولية لبيان وزارة الداخلية السعودي - قبل أيام -، وذلك تعليقا على خطبة الجمعة لأحد مشايخ «محافظة القطيف»، أوحت للعقلاء: أن أعمال التخريب، وما تمثله من تهديد في الأرواح، والأموال، والممتلكات، أو مساس بالحريات العامة، والفردية، والتي تشكل خطرا على استقرار البلاد، وأمنها، وإخلالا بالنظام العام، وما ينتج عنه من فوضى في الحياة الاجتماعية، تستوجب من الجهات الأمنية استئصال أسبابه، والعمل على إعادة الوضع إلى حالته الطبيعية إذا لزم الأمر؛ حفاظا على المصلحة العامة.
للدولة الحق في حفظ النظام العام، وهو مبدأ فوق كل اعتبار، فلها الحق في الحفاظ على كيانها، ومصالحها في الحاضر، والمستقبل، وخلاف ذلك أمر غير مقبول. وعلى سبيل المثال: فإن المظاهرات تُعتبر مصدرا رئيسا؛ للإخلال بالنظام العام، وخطة الإجراءات المصاحبة لها، قد ولدت نوعا من الارتياح لدى كافّة المواطنين، وشكلت رادعا حقيقيا للخارجين عن النظام العام؛ لتحصين الناس تجاهها؛ حتى لا يتعرضوا لفتنة، أو وقيعة، ووقاية المجتمع من الخطر الذي قد يترتب على هكذا سلوكيات غير محمودة العواقب.
إن إدراك الظروف المحيطة بنا، وما يجري حولنا من أحداث متسارعة، وتجاذب القوى بين عدد من دول المنطقة في الوقت الراهن، تستلزم لمّ الشمل، وتوحيد الصفّ، وبذل الوسع في سيادة النظام العام، واحترامه من حيث القيمة العملية، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، بثّ رسالة واضحة للمتربصين بنا: أن لا مجال للإقليمية المقيتة على حساب قضايا الأمة المصيرية، والدعوة إلى معالجة القضايا الكبرى بروح المسؤولية. وألا ننسى الخطوط العامة في عدم التعاطي مع الأحداث برؤية طائفية، أو كل ما يؤججها، ويساعد على إيقاظها.
المأمول من «شيخ القطيف»، وغيره من أهل العلم المعتبرين، توعية المواطنين في ضرورة حفظ الأمن، وفرض النظام العام، بعيدا عن المعالجات التي تقوم على الارتجال، أو استثارة الغرائز العدوانية، فالأمن مسؤولية الجميع، وهو خط أحمر. - وبالتالي -، فإن حفظ النظام العام في منظومة مقاصد الشريعة، هو حق مشروع، يتعدى ذلك إلى نظرة شاملة، تضع في الاعتبار: تحقيق المصلحة الخاصة؛ لتكون مكملة للمصلحة العامة. وتحقيق المصلحة العامة؛ لتكون متضمنة للمصلحة الخاصة، دون تهديد لتلك الغايات العظيمة بما يهدمها، أو يلغيها.
drsasq@gmail.com