معروف أنه لم يعد هناك أي أمر مخبوء عن الأعين، والأسماع.. في ضوء تطور وسائل الوصول لكل زوايا الأرض, وأركانها..
الأمر الذي غير في سلوك الأفراد وتحديداً المسلمين منهم.. إذ اتبعوا بهرجة المشاع، وسهولة النشر، ولمعة الأضواء، وجاذبية المغريات..
المسلم الذي كان الستار للعيوب حين يُبتلى، أو عندما يحيط علما بابتلاءات الآخرين، تحرر من تلك القيم الأساس التي اكتسبت منها ثقافة المفاهيم المنوط بها السلوكُ الفردي، والجمعي كالستر، والتغاضي، وغض البصر، ولجم اللسان عن الغيبة، والنميمة، والمبادرة بالنصيحة، وإشاعة المعروف، والنهي عن المنكر في غير إيذاء،.. وتجاهل تماما رابط الحد بين بغيضها وحميدها، ولم يعد يتفكر في المثوبات والعقوبات الربانية.. حين أصبح يطلق لنفسه العنان في أكل لحوم الناس، أو في هتك خباياهم، أو في الكشف عما يحمد ستره..
ولأن ثقافة الإعلان.., والإعلام، المشاعة، والموسومة بها أخلاقيات العصر، والموضوعة في خانات مثل «الكشف المباح»، و»وشروط المهنة»، و»واجبات الإعلام»، و»أدواره»، و»حرية الرأي»، «ضرورات متابعة متغيرات، وظواهر الفرد في أي مجتمع»،.. أصبح من المقبول أن تسمع.., وأن ترى, بل ان تلوك في كل شؤون البشر، جلها، ودقيقها، قليلها، وكثيرها، ممكنها، وغير ممكنها.., خاصها، وعامها، سيئها، وحسنها،..
بل إن الميل الأكثر، هو النشر لكل ما هو غريب، وإن غاص في أسرار البشر, تحديدا الخاصة جدا،.. الصادمة جدا.., الخارجة عن مفاهيم تعارف الناس على أنها ضمن جزء مهم في البنية الأخلاقية، بما فيها من القيمية في كل ما يتعلق بما يقول، ويفكر...
غدت الشهرة بضاعة التشهير.., والنجاح مثوبة الهتك.., والحصول على منابر الضوء جائزة المروق عن قيم النبل، والحياء، والخشية..
كل الذي يتبدى في المرآة.. أن القدماء كانوا حكماء حين البساط كان ضيقا، أما وقد اتسع واتسع وتهلهل فإن مقولتهم «اللي اختشوا ماتوا»، ربما تحتاج إلى تفصيل يتناسب مع زمن لم يعد فيه «اللبيب من الإشارة يفهم».
إن زمنا يفسح للذين لا يتأدبون بالحياء.., كفيل بانهيار كل الأخلاق، وتشويه مفاهيم سموها، ورفعتها.