ثارت حميتنا جميعاً حين نقلت لنا وكالات الأنباء حكاية الشاب السعودي المبتعث الذي أوقفته الشرطة الأمريكية مؤخراً بسبب ممارسته (التفحيط), ثم أزبد بعضنا وأرعد حين أوقف ذات الشاب بعد خروجه من السجن مرة أخرى بسبب مشاجرته مع ملاّحي طائرة، ذلك الغضب تجاوز سلوك الشخص المسيء إلى ما هو أبعد منه، وهو برنامج الابتعاث، وارتفعت أصوات البعض متباكية أنّ هؤلاء الشباب المبتعثين يسيؤون إلى سمعة الوطن، وتحوّلت القصة من سلوك فردي يمثل صاحبه إلى منازلة ومحاكمة وطنية لمشاريعنا التنموية!
أتساءل عن عدد الصينيين والأستراليين والهنود والأمريكيين أنفسهم خارج بلادهم الذين ارتكبوا جرائم تتجاوز التفحيط أو الشجار مع ملاّحي طائرة، وهل تم التعاطي معها داخل بلادهم بهذه الحساسية المفرطة.... وهل تجاوز اللوم الأشخاص إلى تحميل المسؤولية لبرامج تنموية يفترض بها أن تبني الشخصية والوعي والعلمية لا أن تهدمها ...؟
أتفّهم مبعث الحساسية في الانتماء الجمعي والأبوية التي تمتاز بها ثقافتنا، غير أننا بحاجة إلى الفصل بين هذا الشعور العاطفي النبيل وبين حقيقة تمثيل الإنسان لنفسه ومسؤوليته عن خطئه.. لا أقلل من أهمية تمثيل المواطن لبلده وثقافته في الخارج، لكني أيضاً لا اقتنع مطلقاً بأنّ سمعتي وسمعة وطني رهينة حقيبة كل مسافر أو مسافرة!... قد يكون من المنطقي النظر إلى هذه المشكلة في إطار آخر لو شاع السلوك السيئ بين المبتعثين والمبتعثات إلى مستوى الظاهرة.. ولكن حتى لو تأكد وصول السلوك إلى هذا المستوى فإنّ الطرح المنطقي الحكيم ينحاز إلى مراجعة النموذج وتقييمه وتصويبه ومراجعة معايير وشروط الابتعاث وليس إلى وأده وإلغائه..
أجد اليوم رابطاً قوياً بين مبرّر منع العزاب من دخول المجمعات التجارية وبين اللوم المجحف على المبتعثين والمبتعثات بسبب تصرُّف أحدهم أو إحداهنّ، فالإطار النظري للرؤيتين ينطلق من أنّ خطأ الفرد يتعدّى إلى غيره، فلا يكفي أن تكون مصيباً لتسلم من اللوم والمحاسبة، بل يجب أن يكون الجميع كذلك! .. هذا المنطق وللأسف يسود في كثير من معاملاتنا على جميع المستويات وخصوصاً مع الشباب، ليصبح الخطأ سيد الموقف في صياغتنا لكل ما يحيط بهم، متجاهلين الحكمة في قوله تعالى: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}.
أعتقد أننا اليوم بحاجة إلى مراجعة علاقة المجتمع بالشباب والوعي به ومنحه الثقة والمسؤولية قبل محاسبته عليها.. ولقد أضاء الأمير سطام بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض مؤخراً بارقة الأمل في تصويب ذلك الإطار النظري الخاطئ حين سمح للعزاب بدخول المجمعات التجارية - التي حرموا من ارتيادها لسنوات بسبب ثقافة العقاب الجماعية - مع التوعُّد بمحاسبة المخطئين .. قرار الأمير الحكيم يذكّرني بالحكمة التي تقول «من السهل أن تنتقد الخطأ لكن من الصعب تصحيحه» وقد فعل سطام الأصعب، بينما انشغل الكثيرون منا بالشق الأسهل منه زمناً طويلاً!
Eco-manager@al-jazirah.com.sa