القضاء مكان رفيع شريف في عرف الثقافات الإنسانية جمعاء. وهو في شريعتنا أرفع وأشرف وأعز. وكلما عظم قدر الشيء كلما عظم خطره.
ما كان ابن حميد هياباً لصعود الجبال ولا متردداً عن خوض مجاهيل المخاطر، ولكنه يحمل بين جنبيه نفساً صادقة أمينة: فقد صدق ابن حميد ما عاهد الله عليه، وأوفى بما في عنقه من بيعة لولاة أمر البلاد، فتشرف برئاسة مجلس القضاء حين أُمر بذلك، واستعفى حين ظن أنه أدى ما عليه، وأن هناك من يكمل تأسيس القضاء السعودي الحديث. وإن ترجل ابن حميد هنا، فقد اعتلى هناك، «كن حَيثُ شِئتَ تَسِر إِلَيكَ رِكابُنا... فَالأَرضُ واحِدَةٌ وَأَنتَ الأَوحَدُ»، فابن حميد جمع بين الزهد والعلم والجاه والتواضع فأينما كان سارت له ركائب أهل الفضل وتشرفت المواطن به.
«إنَّ السِلاحَ جَميعُ الناسِ تَحمِلُهُ...وَلَيسَ كُلُّ ذَواتِ المِخلَبِ السَبُعُ» مناصب ولاية أمور المسلمين تكليف وامتحان وابتلاء. فلا يستشرف لها إلا صادق أمين يريد الإصلاح كيوسف عليه السلام، أو على نقيض ذلك من دجال أو أحمق. وابن حميد لم يستشرف لمنصب قط فلسان حاله «غَيري بِأَكثَرِ هَذا الناسِ يَنخَدِعُ... إِن قاتَلوا جَبُنوا أَو حَدَّثوا شَجُعوا». حُمِل ابن حميد رئاسة مجلس القضاء فكان لها أهلاً كما كان أبوه أهلاً لها من قبل.
وما كانت لنفس ابن حميد أن تطمع، وما كان له أن يغالط نفسه ويُوهمها بسهولة المهمة.
وآل حميد عائلة مباركة، أهل ورع وزهد وصدق
«تَشابِهِي وَرَعِ النُفوسِ كَبيرُهُم
وَصَغيرُهُم عَفُّ الإِزارِ حُلاحِلُ[i]».
لا مسكوت عنه يخشى منه ابن حميد فظاهره كباطنه، فهو حلو الشمائل «سَهْلُ الخَلِيقَةِ، لا تُخشى بَوَادِرُهُ... يَزِينُهُ اثنانِ: حُسنُ الخَلقِ وَالشّيمُ».
****
[i] (الحلاحل: السيد. عَفُّ الإزار: لا يقربون الفاحشة ولا يسعون إلى ريبة)
hamzaalsalem@gmail.comتويتر@hamzaalsalem