بينما يغلي الشارع السوري، ويغسله الشعب بالدماء، وتموج في مدنه وأحيائه وبين مؤسساته ظواهر الفداء والشجاعة والإقدام للتخلص من هذا النظام البغيض، تأتي روسيا لتدفن ما بقي لها من تاريخ مشرِّف في وحل جرائم بشار الأسد، دون أن تفكر بحق الشعب السوري العظيم في الاحتجاج ومطالبته بتغيير النظام ورغبته في عهد جديد يقود إلى العدل والإصلاح والحرية التي حُرم منها طويلاً.
***
ولا تكتفي روسيا باستخدام حق النقض للحيلولة دون صدور قرار من مجلس الأمن - ولمرتين متتاليتين - يُجرِّم هذا النظام ويدعوه إلى وقف حمام الدم والتوقف عن قتل الأبرياء والإصغاء إلى صوت الشعب الهادر الذي لم يعد على استعداد للحوار مع نظام قاتل ومجرم، وإنما تستمر في دعمه بالسلاح الفتاك ضمن ما تدَّعي أن ذلك إنما يتم ضمن صفقات مبرمجة تحرص على الوفاء بها، بينما لا يخفى عليها أن نظام بشار يستخدمه في قتل الشعب دون رحمة أو هوادة، وفي استثماره لإيقاف هذا المد الثوري الذي مضى عليه أكثر من عام وهو في عنفوانه وكامل جاهزيته المعنوية في مقاومته لهذا الرئيس وزبانيته.
***
ولم يتوقف الأمر عند ذلك فقط، ولا على المبررات الروسية في دعم النظام السوري وبينها التخويف من تأثر المنطقة أمنياً بتداعيات سقوط نظام الأسد، وإنما ذهبت إلى ما هو أسوأ بكثير من ذلك حين بدأت تلعب بورقة المذاهب في تحريك مكشوف ومشبوه لخلط الأوراق على النحو الذي يستجيب لرغبة النظام السوري ويتوافق مع التوجه الروسي في التعامل مع الحالة السورية، ما لا يمكن فهمه، إلا أنه موقف روسي معاد لإرادة الشعب السوري، ومناهض لموقف الدول العربية المناصر والمؤيد والداعم لهذه الثورة المباركة.
***
فها هو السيد لافروف وزير خارجية روسيا يقول دون حياء، إن سقوط الأسد قد يؤدي إلى وصول السنّة إلى السلطة في سوريا، ضمن ما أسماه بأن ذلك يدخل ضمن مخاوف بلاده، وهو في هذا التصريح يشير أيضاً إلى (القاعدة) ليلعب بورقة أخرى واهية، ثم لا يتردد في القول بأن بلاده تخشى من عمليات إرهابية لو سقط نظام الأسد، وهي تخرصات لا يقول بها غير السيد لافروف الذي يدعي أن الموقف الروسي من نظام فاسد إنما ينسجم مع أساس النظام العالمي الذي يدافعون عنه.
***
وقد وصل الموقف الروسي المنحاز والداعم والمناصر للنظام السوري إلى ما بلغه من تحد لمشاعر السوريين حين أعلن وزير خارجيتها عن أن سحب دول مجلس التعاون لسفرائها من سوريا إجراء غير مبرر وبلا أي أسباب، وأنه في اللحظة التي سُحب فيها السفراء حدثت تفجيرات سيئة جداً في دمشق وحلب وبعض المدن السورية، مؤكداً أن ذلك حدث لنسف مهمة كوفي أنان، وأنها من الناحية الموضوعية تمضي لتحقيق هذا الهدف، وهو اتهام خطير وغير مسؤول من وزير خارجية روسيا ولا يمكن تصنيفه إلا أنه جزء من التعامل الروسي السيئ والمشبوه مع ما يجري في سوريا.
***
ويبدو السياسي الروسي في تصريحاته، وكأنه أحرص من الشعب السوري ومن الدول العربية ومن دول العالم الحرة على مصلحة سوريا وشعبها الأبي حين يمارس تخويفه وقلق بلاده من السنّة فيما لو آل إليهم الحكم، بداعي أن ذلك سيكون إضراراً بالعلويين والأكراد والمسيحيين والدروز، بحكم أن البلاد متعددة الطوائف والأقليات القومية، وكأنه يرى أن أحداً لا يمكن أن يحكم سوريا بعدل ومساواة إلا الأسد ومن ينتسب إلى الفئة العلوية، فيما تفضح الأربعون سنة الماضية التي هيمن فيها الأسد وطائفته على الحكم ما يندى له الجبين، كما يفضح الموقف الروسي العقلية الاستعمارية لدى روسيا ومن قبلها الاتحاد السوفيتي التي تتعامل بها مع حقوق الشعوب.