عندما كنا ندرس مادة الكيمياء علّمونا كيف نقوم بوزن المعادلات الكيميائية لنحصل على مركبات كيمائية متوازنة قد تتكوّن من عنصرين أو أكثر المهم أن مكوّنات المدخلات تساوي المخرج النهائي. هذا التقديم يقودني إلى الجزئيات التي تشكّل حياة المواطن البسيط وضرورة ضبطها ليعيش في النهاية حياة متوازنة تمكّنه من الاستقرار والاطمئنان ليتفرّغ للعمل والبناء والعطاء والإنجاز بعيداً عن القلق والضغوط من جراء شح الموارد المالية والديون المتراكمة، وكأننا هنا قد حولنا مكونات حياة المواطن ومخرجها إلى معادلة كيميائية تحتاج إلى ضبط.
بطبيعة الحال أتحدث عن المواطن البسيط، فالمواطن المرفّه والمنعّم لا يجد عناء الحصول على كل متطلبات حياته عكس المواطن البسيط الذي قد يقضي كل حياته في محاولات ناجحة أو فاشلة لتحقيق التوازن بوزن وضبط أمور حياته، والمواطن البسيط يشكّل نسبة لا يُستهان بها من إجمالي عدد السكان لذلك يظل الهاجس الدائم للدولة، وتحقيق متطلباته ورفاهيته من أكبر التحديات، وأي قصور في هذه الجوانب ينعكس سلباً على تقييم أداء المؤسسات الحكومية الخدمية، ويكشف ضعف قدراتها في مواجهة المشكلات المتفاقمة.
المواطن تقوم حياته وحياة كافة أفراد أسرته على الوظيفة والسكن والمواصلات وتأمين الغذاء والدواء كمتطلبات رئيسية عدا الحاجة للتعليم والتدريب والترفيه، ولأن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - يحفظه الله- قد استشعر بحسه الأبوي معاناة المواطنين والقصور في أداء الأجهزة الخدمية فقد أصدر أوامره الكريمة لسد النقص، ولمحاولة إعادة وزن المعادلة المختلة، فأمر بتثبيت بدل غلاء المعيشة ضمن الراتب الأساسي وصرف راتب شهرين لكل موظف واستحداث مكافأة للعاطلين عن العمل بواقع ألفي ريال شهرياً واعتماد الحد الأدنى للرواتب بثلاثة آلاف ريال شهرياً، واعتماد بناء خمسمائة ألف وحدة سكنية ودعم صندوق التنمية العقاري بأربعين ملياراً وزيادة قيمة القرض العقاري من ثلاثمائة ألف ريال إلى خمسمائة ألف ريال، وضخ 16 ملياراً لوزارة الصحة لتنفيذ مشاريع صحية ورفع تمويل المستشفيات الخاصة أربعة أضعاف، وفي مجال التوظيف جاءت الأوامر ببشائر مبهجة للمواطنين باستحداث ستين ألف وظيفة عسكرية واعتماد وظائف أخرى في أكثر من قطاع وتثبيت موظفي البنود ومعلمات محو الأمية وإحداث وظائف جديدة لاستيعاب آلاف الخريجين.
بقراءة هذه الأوامر الملكية الكريمة نجد أنها ركَّزت على المكونات الرئيسية لحياة المواطن وهي الوظيفة والمعيشة والسكن والدواء في محاولة لردع الفقر والجوع والبطالة، وإعادة وزن المعادلة لتحقيق الحد الأدنى من المتطلبات والاحتياجات الأساسية لضمان راحة واستقرار أمثل للمواطن وفي نفس الوقت سد الثغرات في منظومة أداء الأجهزة الحكومية ومحاولة دفعها لأداء أفضل، لكن السؤال الاستشرافي: هل ستظل تلك الأجهزة الخدمية بانتظار الأوامر الملكية كي تحافظ على توازن المعادلة؟ أعتقد أن الحالة الراهنة ورغم الدعم الذي أحدثته الأوامر الملكية تستدعي رسم إستراتيجيات طويلة المدى ليس على الورق فقط وإنما في أرض الواقع ووفق رؤية ثاقبة تأخذ في اعتباراتها مشكلات متراكمة يئن من وطأتها الثقيلة المواطن البسيط وهو المواطن الذي يتشكَّل بأفراده يومياً وسيظل كل مواطن من أبناء هذا الجيل والأجيال القادمة يبحث عن الوظيفة والسكن والغذاء والعلاج له ولأبنائه وبناته من بعده، ومواجهة مطالب مستمرة لا تستقيم إلا بفرض حلول جذرية تتبناها وزارة التخطيط.
shlash2010@hotmail.comتويتر abdulrahman_15