|
لم يكن فوز رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين بانتخابات الرئاسة التي جرت مؤخرا مفاجأة لكن دموعه التي سالت وهو يلقي خطاب النصر كان الأكثر غموضا.
فقد أشار المتظاهرون المعارضون له إلى أن دموع بوتين تتعارض بصورة كبيرة مع غموضه المعتاد وحتى مع مظهره وسلوكه الصارم في المناسبات العامة الأخرى. فقد فشل بوتين في البكاء عندما قتل الأطفال في المذبحة التي تعرضت لها إحدى المدارس في مدينة بيسلان عام 2004 ولا عندما غرقت الغواصة كورسك ومات كل من فيها من أفراد البحرية الروسية. لذلك لماذا ترك دموعه تسيل الآن؟ تقول إحدى النظريات إن دموعه سقطت لأن لم يكن كاسحا كما كان يحلم!
النظرية الثانية الأكثر لياقة تقول إن بوتين رغم شهرته لكونه ضابط مخابرات صارم في السابق يمكن أن يكون عاطفيا وحساسا. يقول فلاديمير نابوكوف في «محاضرات في الأدب» إن الزعيم السوفيتي الراحل فلاديمير لينين كان لديه جانبا عاطفيا في شخصيته إلى جوار الجانب القاسي الصارم فيها.
كانت خلطة الشرعية السابقة لبوتين قد اختبرت في ديسمبر الماضي عندما أثارت الانتخابات البرلمانية المزورة موجة احتجاجات شعبية واسعة. والحقيقة أن الانتخابات الرئاسية في أسبوعها الأخير لم تشهد انتهاكات ولا تلاعب كبير ليس لأن بوتين تأكد من عدم وجود منافسين جادين أمامه، لكنه لم يعد مطمئنا لرد فعل سكان موسكو على أي نتائج مزورة.
والحقيقة أن منصب الرئاسة الروسية بدا بلا قيمة كبيرة عندما سلمه بوتين إلى الرئيس الحالي ميدفيديف لفترة رئاسية واحدة امتدت أربع سنوات حيث إن الدستور لم يكن يسمح لبوتين بعد أن حكم روسيا 8 سنوات بخوض الانتخابات لفترة ثالثة على التوالي. في الوقت نفسه فإن محاولة بوتين لتحويل حزب روسيا الموحدة إلى حزب حاكم فشلت بوضوح في انتخابات ديسمبر الماضي لذلك فإنه خاض حملته الانتخابية للرئاسة مؤخرا دون حتى الإشارة إلى الحزب الذي أسسه وقاده لسنوات.
والحقيقة أن روسيا لم تعرف تداول السلطة حتى الآن. فمازال انتقال السلطة مسألة تخضع للاختيار الشخصي للنخبة الحاكمة. لذلك فعدم وجود صيغة واضحة لتداول السلطة في روسيا يمثل ثغرة كبيرة في نموذج الدولة الذي يحاول بوتين أن يقدمه. وهذا الوضع يعمق لدى الناخبين الروس فكرة أن بلادهم بلا مستقبل أو على الأقل فإن مستقبلها لا يستند إلى قاعدة دستورية أو مؤسسية يعتمد عليها وإنما يستند إلى الحالة الصحية والبدنية لرجل واحد يحكمها.
عندما قال بوتين «المجد لروسيا» أمام الحشد الجماهيري من أنصاره احتفالا بفوزه كان يعني المجد لروسيا التي لا يمكن أن ترى طريقا للمستقبل بدون بوتين نفسه.
* (ميل أند جارديان)
الجنوب إفريقية