سألني مؤخرًا أحد معارفي كثير الترحال والسفر: ما تعريفك للدولة المتطورة؟ وهذا سؤال صعب لأنه لا يوجد حكم واضح بشأن معايير وصف دولة ما بأنها متقدمة.

إذا كانت الشوارع الواسعة ووسائل النقل العامة المريحة والبنايات الشاهقة هي كلها متطلبات الدولة لكي توصف بأنها قد وصلت إلى الحالة المتطورة، فإن سنغافورة يجب أن يتم تصنيفها على أنها كذلك منذ فترة بعيدة. ولكن ذلك ليس صحيحًا، فحتى مسؤولي الحكومات هناك غير مستعدين للاعتراف بأن دولتهم قد وصلت إلى مرحلة الدولة المتطورة حتى يتوقف الشعب عن البصق في الأماكن العامة، والتوقف عن (الفصال) على كل شيء يشترونه، ويتوقفون عن فعل كل ما يستطيعونه للتحايل على الطوابير ليقفوا في مقدمة الصفوف.

سويسرا، التي لا يوجد بها أي أبراج شاهقة تتباهى بها، هي دولة متطورة، ومثلها مثل سنغافورة، فإن القطارات في سويسرا لا تفشل مطلقًا في أن تصل في موعدها، ولكن المجتمع في سويسرا يبعد بعدا شاسعا عن المجتمع في سنغافورة أو حتى ماليزيا، ففي إحدى المرات في جناح في بازار في فندق في بلدة فيفي Vevey وهي بلدة سويسرية صغيرة على بحيرة جنيف، فإن كاتب هذه السطور اضطر إلى الهمس عندما كان يتحدث إلى صديقه في إحدى الأمسيات، فالسويسريون يقدرون الهدوء أثناء احتسائهم القهوة بينما يستمتعون بمنظر جبال الألب الفرنسية، ولأن الفندق كان مبنيًا في معظمه من الأخشاب، فيجب على المرء أن يمشي بحذر شديد لكيلا يزعج النزلاء الآخرين، كما أن رنين الهواتف المحمولة لا يخرق صمت المكان بصرف النظر عن عدد مليارات الدولارات المتعلقة بالصفقات التي تحتويها تلك المكالمات الهاتفية للنزلاء، فلا أحد يباهي بذلك مطلقًا ولا يرفع صوته متفاخرًا.

نيوزيلندا هي دولة أخرى صغيرة ولكنها متقدمة على الرغم من أنه لم يتغير فيها الكثير على مر السنوات. فلا يزال عدد الخراف هناك أكثر من عدد البشر ولا يزال فريقها هو بطل العالم في لعبة الرجبي. وربما أن المكان الأكثر فوضوية وإزعاجًا في نيوزيلندا هو الكازينو في وسط مدينة أوكلاند، وقد صرح رئيس الوزراء السابق د. مهاتير محمد أنه دهش لمدى نظافة الأحياء في نيوزيلندا أثناء زيارته لها. ولكن لا يبدو أن قواعد الضوضاء والنظافة منطبقة على دول متطورة مثل الولايات المتحدة، فنيويورك على سبيل المثال دائمة الضوضاء، فلا تمر دقيقة إلا ويسمع المرء صوت صراخ سيارات الطوارئ، كما أن سكان المدينة يعشقون الصخب أيضًا. ولكن خلاف ذلك فإن الأمريكيين يميلون إلى أن يكونوا مؤدبين، فهم عادة ما يحيونك في المصاعد حتى لو كنت تشبه المهاجرين المكسيكيين غير الشرعيين، فإنهم يمسكون الأبواب لك ولا ينسون مطلقًا أن يقولوا شكرا لك، كما أنهم بصورة عامة يحترمون آداب المرور ويعطون أهمية قصوى للأطفال والمعاقين.لذا فربما أنه بعد المباني الشاهقة والطرق السريعة الواسعة وأرقام الناتج القومي الإجمالي المتقدمة والدخل المرتفع ووصلات الإنترنت فائقة السرعة، فإن كيفية تصرف المجتمعات لا يزال هو المحدد إذا كانت دولة ما يمكن أن تسمى دولة متطورة أم لا. معظم الدول المتطورة تحافظ على بيئتها، وأنهارها نظيفة ولا يقطعون الأشجار ولا يحرقون القمامة في الهواء الطلق، وعندما توقف شرطتهم أحد المتجاوزين لقواعد المرور، فلا توجد مفاوضات مع الشرطي بل يتم إصدار مذكرة الاستدعاء للقضاء فورًا.

ماليزيا على بعد ثماني سنوات من هدفها بأن تصبح دولة متطورة، وبينما نقوم ببناء المؤشرات الاقتصادية ومنشآت البنية التحتية المطلوبة للوصول إلى تلك المرتبة، يجب على مجتمعنا أيضًا أن يعلم أنهم أيضًا يجب أن يغيروا العديد من عاداتهم القديمة، لكيلا تصبح مرتبة الدولة المتطورة إنجازًا هشًا وفارغاً من مضمونه.

* (نيوستريتس تايمز) الماليزية