صديقي الدكتور السوري الذي اعتدت مراجعته كلما ألمّ بي عارض صحي كان يستبقيني قبل الفحص لساعة وأحياناً لأكثر حتى يخفّ المراجعون لـ(يقرق) معي طويلاً عن الشؤون السياسية في عالمنا العربي. ومن ثم لا بد أن يعرّج على نقد الأوضاع السيئة في بلده سوريا (وهنا مربط الفرس) أو بالأحرى مربطي أنا عن الفحص حتى يخلو مكتبه تماماً من المراجعين، ثم يميل إلي كالعادة (شبه هامس) قائلاً: «خيو سليمان الوضع هونيك ما بينطاق» فالفساد عم كل شيء، وانعدام الضمير سيطر على كل مشتغل بالسلطة، والغلا اجتاح البلاد من أقصاها إلى أقصاها، وأصبحت الرشوة هي مفتاح القلوب والجيوب وما على المواطن سوى (صبر أيوب)، ويا ويل مين (يستجري) يرفع (راسو) أو يرفع يديه مبتهلاً (يا ربي أنقذ هذا الشعب المغلوب) -بالطبع على أمره- وبالطبع إزاء هذا (القرق) ومجاملة له حتى (يكفّي حديس) أي حديث، لا بد لي أن أسلمه أذني أو (أذاني كلها) وأهزّ رأسي كطائر (الناؤس) الذي يرفع إحدى ساقيه قرب (نقعه) من الماء الضحل، وهو يحلم ببحيرة صافية، وأبقى كذلك حتى يفيقني من الحلم (إذا كفى الحديث) ثم (يسدحني) على سرير الفحص، ويكشف على كل أعضاء جسمي بسماعته المتدلية من عنقه و(تريكه) الضوئي الصغير، ثم يقول لي كالعادة (خيو ما بو شيء) أنت سليم (عضوياً) ولكن يبدو أنك مريض بالهم (متلي) أي مثلي، ثم يردف داعياً الله (أن يخلص ها الأمة من الجزارين. آمين) ويضيف من عندياته وخصوصاً جزار الشام (اللي ما بيزحزحه) غير رب العالمين.
* * *
مضت الأيام بيني وبين صديقي الدكتور، وحدث أن كان يتمتع في إجازته السنوية في ربوع بلاد الشام وصادف ذلك بدء اندلاع الثورة السورية ضد جزار الشام، كما كان يسميه فهرع الرجل إلى (لملمة) أولاده والعودة سريعاً إلى الرياض، ولكن يبدو أنه -أو كما هي عادة- أزلام النظام قد حذروه أن يتفوه بكلمة واحدة عما يحدث في سوريا آنذاك.
بالطبع لقد كنت قلقاً عليه، ولكنني ما أن سمعت أنه قد عاد من هناك حتى رفعت سماعة الهاتف وقلت له: الحمد لله على السلامة يا دكتور. فقال لي مرتبكاً ولأول مرة (خيو سليمان مابو شي. كل ما تسمع (كزب). فقلت له ضاحكاً (أحكي لا تخاف أنت في الرياض) لا في الشام.