دمث: لان وسهل، ودمث الخلق سهل الخلق، ويقال للإنسان السهل الطلق الكريم (دمث)، هذا المعنى العام يختلف تفسيره بين مجتمع وآخر، أي بين ثقافة شعبية وغيرها، فالابتسامة والنظرة وحتى حركات اليدين وتقاسيم الوجه الانفعالية والتفاعلية مع المواقف والحوارات العابرة، كلها تختلف وتتنوع قراءاتها بين الأطياف في الدائرة الاجتماعية الواحدة، فكيف بها بين مجتمعات متباينة في الثقافة واللغة وهوامش الحرية والانفتاح الاجتماعي، وعليه فإن ما يعاب عند قوم يكون من المعتاد أو المقبول نسبياً عند مجتمع آخر، ووجدت من تجاربي وترحالي (على سبيل المثال) أن إشارات وتعابير توضيحية باليدين ككتلة واحدة أو بأصابع اليد يختلف فهمها من مجتمع لى آخر، بل لاحظت أن إشارة ما يختلف معناها حينما تكون الأصابع للأعلى أو الأسفل، أو حين تكون راحة اليد باتجاه المخاطب أو العكس، عجيبة هي مفاهيم الشعوب المستمدة من ثقافاتها وتراثها وتراكماتها المعرفية.
قد يقاس على هذا تعاملاتنا اليومية مع بعضنا ككتلة اجتماعية تعيش في وسط متماثل الثقافة تحكمه عادات وموروثات هي الأخرى مازالت منكمشة (عند البعض) لدرجة التوجس والريبة من الآخرين في كل المواقف والأحوال، فكثيراً ما تلحظ اكفهرار الوجه والتكشيرة دون مبرر من البعض، رغم أنك لا تعرفه ولا يعرفك، وهذا مما يخالف ما يدعونا إليه ديننا الإسلامي الحنيف من الرفق واللين ودماثة الخلق وأن الابتسام بوجه أخيك كالصدقة تؤجر عليها، فهي أكثر من أن تكون لطفاً ومجاملة للغير (ما أعظم الإسلام).
من المواقف التي تقرب الصورة أنني كنت مع مجموعة من الزملاء في بلد أوروبي في مهمة إعلامية، وكان أحدهم قد حضر متأخراً فطلب من صحفيين من ذاك البلد استيضاح معلومة على برنامج المناسبة، فتفاعلوا معه بما تمليه عليهم ثقافتهم بكل ترحاب وأدب، فعاد إلينا منوهاً بلطف هذا الشعب ورقة مشاعره وسماحة نفوسهم، وكأنه يسافر لأول مرة في حياته، وبعد المناسبة توجهنا إلى محل قريب يقدم البيتزا، وفي الطريق داعبه زميل من المجموعة لكنه لا تربطه به علاقة سابقة قبل السفر؛ إذ إن كلاً منهما من منطقة مختلفة، فرد عليه بقوله: (وش هالميانة، متى المعرفة)؟! مما كان محل استهجان الجميع واستغرابهم، فهو الذي كان قبل قليل يثني على لطف الأجانب وعلو ذوقهم، وها هو ينحدر بذوقه مع ابن الوطن رفيق الرحلة الذي تجمعه به ديانة وثقافة واحدة، فهو حين كشف عن انبهاره بما كان عليه قوم آخرون غرباء عنه لم يلتزم بما أملته عليه شريعة الإسلام وخلقها القويم، ولم يركن حتى إلى التقليد في بلد تلك ثقافته، على الأقل حتى يعود إلى بيئته الأصلية التي يمارس فيها (خطأ) عقد الشك والارتياب والنفور من كل إنسان، وكأنه الوحيد الطاهر النقي اللطيف الذي ينثر على جنبات الطريق ورود الود والتسامح والخلق القويم، هذا مثال واحد من صور كثيرة ومواقف أكثر إثارة وأقسى ممارسة لوحظت من البعض ليس في الخارج بل حتى في الداخل، فمقابل الإعجاب بدماثة الناس في بلاد نزورها نجد بعضنا يزدري أطيافاً من الوافدين إلى بلادنا للعمل برغبتنا وكأنهم مسخرون له.