يعاني ابني مثل معظم أبناء المملكة والخليج العربي من “حساسية الصدر”، وأتذكر قبل سنوات وبعد إجازة صيف قضيناها في أحد الدول الأوروبية، أنه بعد عودتنا أصيب بأزمة صدر، تحدثت مع الطبيب أننا كنا لأكثر من شهر في أوروبا وكان ابني يشرب يوميا مثلجات، ويأكل آيس كريم، ويقوم بالسباحة بشكل يومي سواء في الشاطئ أو في مسبح الفندق، رد عليَّ الطبيب مباشرة: “خذيه ليعيش في أوروبا ولن يصاب صدره بأي أزمة!”.. هذا الموقف بلا شك كثير منكم لاحظه مع أطفاله، وإن كانت بلادنا تعج بالغبار أي أن لا جديد في الموضوع، إلا أن موجات الغبار التي أصبنا بها مؤخراً ليست كالغبار والأتربة التي اعتدنا عليها منذ أن خرجنا إلى هذه الدنيا على هذه الأرض. المنطقة بشكل عام تدخل في مرحلة كوارث بيئية، وقضية التغيرات المناخية لم تأخذ حيزا في الإعلام، لنفهم نحن غير المتخصصين وندرك هذه القضية، ودورنا في مواجهتها والحد من أخطارها، خصوصاً الأمراض الناتجة عنها وهي صحيح قضاء وقدر من الله -سبحانه وتعالى- إلا أن هذا لا يمنع من الوقاية بعد إدراك حجم المشكلة، والوقاية هنا التي أقصدها ليست على الصعيد الشخصي فحسب، بل دورنا جميعاً في حماية البيئة، والتي هي للأسف خارج سياق ثقافتنا، لأننا ما زلنا “نتثاقف” ونركز على أمور هامشية ونصنع منها حدثاً للرأي العام، في حين أن المنطقة تواجه كوارث أكبر وأهم ولا ندري عنها، والغبار -تحديداً- بعد البحث وجدت أن أسباب كثافته مؤخراً لأنه آتي من أرض الرافدين، حيث لم يكن يأتينا من قبل، بسبب انحسار الغطاء النباتي في العراق وضعف الزراعة، بالإضافة إلى تفكك التربة وهشاشتها بسبب “دكها” بواسطة المعدات العسكرية، مما أوجد لنا هذه الظاهرة “الغبارية” الجديدة في المنطقة.
أما الوقاية فإن أبجدياتها تعتبر شبه معدومة، حتى صار تعطيل الدراسة لهذا السبب جزء من حياتنا، في الوقت ذاته أرى شباب ومراهقين يجلسون في الشوارع وسط هذه الأجواء دون مبالاة! فهل هناك برامج تقوم وزارة التربية والتعليم عليها وتعممها في المدارس عن سُبل الوقاية من الغبار؟ وهل الطالبات والطلاب لديهم دراية كاملة عن أبسط التعليمات التي يقومون بها في حال واجهتهم موجة (عج) لأن حل تعطيل المدارس قد يكون في حال حدثت هذه الرياح الغبارية وقت وجودهم بالمنزل، فماذا لو حدثت -لا سمح الله- وقت الدراسة، خصوصاً وأن الأرصاد الجوية في راحة طويلة المدى، وهي الجهة الأولى المسؤولة عن تثقيف المجتمع وتوعيته بالطقس وتقلباته وكوارثة!
أيضا برنامج الأمم المتحدة للبيئة أراه ضعيف جداً في هذه المواضيع، ولا يمكن أن تكون جهود هذا البرنامج بنفس مستوى البرامج الأخرى التابعة للأمم المتحدة، وهو كجهة دولية رسمية مسؤول أولاً وأخيراً عن قضايا التوعية وتوضيح الأمور بكل أشكالها. أما الإعلام فأعذروني أيها الزملاء فهو بعيد تماماً عن هذه القضية، حتى أنني في بحثي عنها عبر محركات الشبكة العنكبوتية، لم أجد حول هذه القضية إلا مواضيع قليلة تأتي على شكل “أخبار” حول الطقس أو عن وجود مشكلة مناخية دون التطرق لا للأسباب ولا لطرق الوقاية، وبرأيي أن عدم الشعور بوجود مشكلة هو سبب تهميش هذه القضية إعلامياً، ولأننا لم نشعر بعد بوجود مشكلة أو كارثة بيئية فإن هذا بسبب المختصين الذين أغلقوا الأبواب عليهم داخل معاملهم ومكاتبهم وانعزلوا عنا بإرادتهم أو رغما عنهم.
ليت مسمى “ناشطة” أو “ناشط” في مجال البيئة، ينشط وينشر الوعي بين الناس الذين هم فعلا بحاجة من يؤمن بقضايا لا زالت تحتاج إلى كثير من التوعية!
www.salmogren.net