يقال عن المجتمع السعودي إنه مجتمع شاب وذلك للتعبير عن التركيبة الديموغرافية السنية للمجتمع حيث يمثل من يقل عمرهم عن 25 سنة ما يتراوح بين 60% و55% من إجمالي السكان بما في ذلك الوافدين، وإذا حصرت النسبة للسعوديين فقط فربما ترتفع النسبة فوق 60%، عندما يكون المجتمع بهذه الصورة فسيسود التأثير السلوكي للشباب على باقي المجتمع، هذا الأمر ملاحظ في جميع نواحي الحياة، فهموم المجتمع تتركز في التعليم والعمل والإسكان، والتحديات تتمثل في الانضباط والإنتاج والتنمية الاجتماعية. هذا الواقع، بقدر ما يمثل فرصة تنموية هائلة للبلاد فهو يمثل عبئاً إدارياً يستلزم آليات غير معهودة في إدارة التنمية، هذا من جانب، ومن جانب آخر هذه البلاد حديثة عهد بالتنمية والتحديث، فمعظم السكان من أصول بدوية كان نمط معيشتها رعوي يعتمد على البيئة أكثر من الاعتماد على التنظيم الإنتاجي المتكامل، هذا جعل المجتمع السعودي بصورة عامة في مرحلة انتقالية قسرية سريعة من حالة الرعوية إلى الحالة الصناعية دون المرور بالحالة الزراعية التي مرت بها المجتمعات الأخرى ونحن الآن نستعد لدخول مرحلة المجتمع الرقمي، لذا فمن الطبيعي أن يحدث هذا التحول السريع اختلالات اجتماعية واقتصادية. ستمثل تحديات سياسية وإدارية غير مسبوقة.
السمة السائدة لشبابية المجتمع تتمظهر في عدة صور منها التنامي المطرد في أعداد طالبي العمل المستجدين وضغط ذلك على المؤسسات الإنتاجية مما خلق واقعاً غير مريح لكل عناصر الاهتمام فالدولة بمسؤوليتها تجاه رفاه وأمن المواطن تضع الحلول والآليات اللازمة لمكافحة البطالة وأرباب العمل قلقون من اختلال عناصر الإنتاج وفقدان التنافسية وطالبوا العمل يريدون وظائف تضمن لهم حياة كريمة، والصورة الأخرى لسمة شبابية المجتمع تحديات الانضباط المروري والسلوكي وهذا يرهق المجتمع بتداعيات نفسية وعاطفية ومادية، والصورة الأكثر وضوحاً في السمة الشبابية للمجتمع هي الحركية الاجتماعية، فقيم المجتمع تتغير بوتيرة سريعة وبات الاكتساب من مجتمعات مجاورة آو بعيدة يحدث بصورة يصعب تقييدها، وبتنا نفقد سريعاً الصورة النمطية للمجتمع السعودي بصفة عامة وكذلك الصورة النمطية لمكوناته الجيوديموغرافية، ومع أن هذا الواقع يحدث في كثير من بلدان العالم إلا أننا نتميز به فنحن أكثر شعوب العالم من حيث نسبة من يسافر خارج البلاد للسياحة نسبة للسكان ونحن لدينا أكبر نسبة من الشباب تعيش خارج البلاد لفترات طويلة، هذا التأثير سيمثل تحد كبير للعلاقات الأسرية بما في ذلك الاستقرار العائلي. وهذا الواقع الاجتماعي لشبابية المجتمع يدفع به التحول السريع للمجتمع لبعد آخر حيث يتمثل في هشاشة القيم الاجتماعية الجديدة والمتكونة بصورة تحولية، فلم تعد القيم التي سادت المجتمع في الماضي تؤثر في تكوين المنظومة الأخلاقية للمجتمع الحديث، وبات هناك قيم جديدة تتكون وتشكل منظومة أخلاقية جديدة، لا شك أن هناك كثيراً من الثوابت في بنائية المجتمع العقدية والنفسية والعاطفية، إلا أن منظومة الأخلاق الجديدة تعتمد بصورة عامة على التأثر بمكتسبات خارجية وأخرى متحولة بسرعة لم يتحقق المجتمع من صلاحيتها بعد.
أعترف أن طرق موضوع بهذا التعقيد في مقال مقتضب، شكل صعوبة لي في اختيار التعابير المناسبة، وهدفي من هذا الطرح هو الدعوة، لبحثه بتوسع وعمق وخصوصاً لدى قاعدة المثقفين والأكاديميين، وأيضا تكوين توجه عند القيادة للنظر في حلول غير تقليدية، فواقعنا ليس واقعاً تقليدياً وما نحن مقدمون عليه من تحديات ليست تحديات تقليدياً، وأكرر ما سبق وأن طرحت في مقال سبق حول أهمية تكوين وزارة لتنمية الموارد البشرية، تكون لديها شمولية في تقديم حلول تتناول جوانب مختلفة، فنحن كدولة لها صفة مثالية لابد من تعظيم مردودها لحاضرنا ومستقبل الأجيال القادمة، فبلادنا محجة المسلمين وبلادنا مصدر الطاقة الأولى للعالم وبلادنا هي بلادنا هي انتمائنا هي أصلنا وهي مآلنا، لا نرضى لها دون المجد موقعا.
mindsbeat@mail.comTwitter @mmabalkhail