ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Wednesday 21/03/2012/2012 Issue 14419

 14419 الاربعاء 28 ربيع الثاني 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

بعد النهاية الراكضة لشهر عسل ما سمي بالربيع العربي، التي ليس من أقل إلا نسمح أن ينتهي بنهايتها ما أصابنا به من نشوة الحرية والإحساس بالكرامة والوعي بجمال الحق والعدل, بدأ المجتمع العربي بما فيه القوى التي قامت بالثورة على طغاتها وكأنه يستيقظ على جهله المفاجئ بأبسط أبجديات التجربة السياسية بمعناها الفعلي على أرض الواقع.

وهو جهل ميداني لا يضاهيه إلا الجهل التنظيري للإجابة على سؤال: ما العمل وما هي الخطة والخطوات الميدانية المطلوبة لاجتراح بداية جديدة ما بعد سقوط النظام لا تؤدي إلى إعادة إنتاج الديكتاتوريات وسلطاتها بمسميات ورموز وأشكال تدعي الجدة.

على أن الموضوعية تقتضي أن نقر بأن الجهل الميداني بالتجربة السياسية قد كان نتيجة طبيعية لاحتكار السلطة المزمن من قبل الحكم الذي جرت الإطاحة به, حيث لم يكن يسمح لسواه بخوض معترك الحياة السياسية في ظل الحظر المطلق للنشاط السياسي العلني, مع العمل في الوقت نفسه وبشكل منظم على تحريم وتجريم أي اشتباه بنشاط سياسي معارض وإن كان سلميا وظليا.

وفي هذا الإطار من محاولة الفهم يبدو الجهل التنظيري أو النظري هو الآخر متوقعا بسبب ما كانت تمارسه السلطات السابقة من رقابة فتاكة على الفكر وعلى حرية الرأي والتعبير في الشأن العام على وجه العموم وفي الشأن السياسي على وجه التحديد.

غير أنه إذا كان هذا هو حال الشارع العربي الذي قامت به وفيه الثورات، فإن حال “حركاته السياسية المخضرة” مثل التي عادت من منافيها بما أصبح حزب النهضة التونسية أو تلك التي خرجت من مخابيها وأفخاخها معا مثل الإخوان المسلمين في مصر بما أصبح حزب الحرية والعدالة، لم يكونا أحسن حالا على مستوى الممارسة السياسية الميدانية اليومية من الشارع الربيعي ومن تكويناته السياسية الشبابية المستجدة بأي حال من الأحوال.

إلا أنه على رغم ذلك، فقد بدا كليهما أوفر حظا في الفوز بثقة الشارع لعدة عوامل قد لا تضر إذا لم تنفع محاولة الاجتهاد في بحثها ومحاولة تحديدها.

أول هذه العوامل, كما أرى، يتمثل في أن كلاً من الحركتين (النهضة، الإخوان) قد امتلكت عمرا زمنيا من الوجود الهيكلي والتنظيمي, وإن ظلت تجربتها السياسية محدودة جدا بسبب من سياسة وقف التنفيذ التي كانت متبعة تجاهها.

ونجد ذلك العمر الزمني يمتد بعيدا نسبيا، حيث يعود توقيته لما يقارب الربع الأخير من القرن العشرين بالنسبة للنهضة ولما قبل النصف الأول من القرن العشرين بالنسبة لحركة الإخوان المسلمين.

وأهمية هذا العامل الزمني هو أنه قد بنى لكل منهما مكانا في الذاكرة الجمعية كرمز من رموز المعارضة، بغض النظر عن تذبذب الأداء ومد وجزر الحضور السياسي لكل منهما في بلد المنشأ، بل وبغض النظر عن بعض التحالفات أو المغازلات مع السلطات السابقة, كما في حالة الإخوان المسلمين تحديدا, مما كان يجري مع الحكم الذي جرت إزالته من قبل الشعب دون مساندة من أي من الحركتين.

إلا أن الوجود الذي لا يخلو من نستولوجيا الحنين الماضوي في الذاكرة الجمعية لم يكن عاملا يمكن تحيده خاصة في لحظات الاختيار التي لا يملك فيها الشعب تجربة سابقة أو قوى تبدو مهيأة بما يكفي لخوض غمار التجربة السياسية معها لأول مرة.

العامل الثاني، نجده في الاستعاضة التطوعية عن النشاط السياسي بنشاطات رعائية والدخول بها إلى الأواسط الشعبية المحدودة دخلا وفرصا تعليمية وسواها مما كان كلا التنظيمين حريص على القيام به في مجتمع كل منهما ما استطاع إلى ذلك سبيلا وخاصة الإخوان المسلمين بمصر.

وغني عن القول إن أهمية هذا العامل تتمثل فيما لعبه هذا النشاط الرعائي وما لعبته الأدوار الخدمية المساندة كنشاط مدني من دور في توسيع دوائر التأييد الشعبي لكل من التنظيمين في ملعبه.

أما ما يمكن اعتباره الضربة الترجيحية من مجموع ما ذكرنا وما لم نذكر من عوامل ساعدت في تغلب النهضة والإخوان على ماسواهما ممن تقدموهما من نشطاء سياسيين على جبهة اندلاع الربيع العربي, فهو عامل التماس الملتبس بين الإسلام كعقيدة وكإطار وأفق حضاري عند الغالبية العظمى من الشعب في البلدين تونس ومصر وبين الإسلام السياسي كـ”موجه” للتشكيلات الحركية والحزبية في أطروحتها لبلوغ السلطة.

فقد سمعت على سبيل المثال من السيد الغنوشي شخصيا في محاضرة له بشهر حزيران 2011م بقسم العلوم السياسية لجامعة وست مانستير بلندن ببريطانيا, قوله بما معناه “هناك شعور بالذنب وبعذاب الضمير يعتري الشعب فيما لولم ينتخب من يأتيه حاملا طرحا سياسيا إسلاميا”.

وكأن ذلك جاء قراءة مبكرة ولن أقول ماكرة, لتوجه الشارع التونسي في ضوء هذه المرحلة التي لم يخض فيها الشارع العربي بل الشعب العربي برمته تجربة سياسية حرة ونزيهة من قبل.

وهذا هو الشرط والإنجاز في الربيع العربي وإن قصر أو كانت أيامه معدودة.

وذلك بأن يتيح للشعب، المجتمع بمختلف قواه الاجتماعية وتشكيلاته السياسية الوليدة أو التي في التكوين أو حتى تلك التي في المخيلة فرصة لتجربة سياسية لم يجربها من قبل لصقل رؤيته وتدريب أدواته على الاختيار ببصيرة سياسية مجربة تعتمد العقل وليس الولاءات الوجدانية أو التاريخية أو الماضوية أو سواها.

إن هذه العوامل، وبالتأكيد هناك سواها للباحثين، هي بعض ما قد يفسر فوز هذين التنظيمين تحديدا في الانتخابات بكل من تونس ومصر على الرغم من أن أي منهما لم يتقدم ربيعية الشارع العربي ولم يكن سببا في التمهيد له بل إن حضورهما جاء بأثر رجعي وفي لحظة أتت تابعة للحظة المفصلية التي أسقط فيها الشعب سلطة حكوماته الجائرة.

لقد تعمدت على سبيل المثال أن أسال بأعداد موسعة كل من قابلته وكل من تعمدت مقابلته من مصر إبان وبعد الانتخابات البرلمانية بهدف السؤال، من زميلاتي بجامعة الملك سعود إلى الباعة وأطباء وطبيبات وموظفين وموظفات.

كان السؤال, هل انتخبتم؟!.

وكانت الإجابة بما لا يخلو من بهجة مشرقة مع الكثير من الاعتداد: نعم انتخبنا!!.

بعضهم قال إنها المرة الأولى التي يثق فيها بالانتخابات ليشارك لأول مرة أيضا في الاقتراع.

أما عند السؤال عمن انتخبوا, فلم تعد الإجابة مفاجئة وأنا أسجل إجابات ماقبل 3 شهور ونيف, الآن.

إن الغالبية العظمى من عينتي العفوية، قالت إنها انتخبت الإخوان المسلمين ممثلا في حزب الحرية والعدالة.

وكان الرد على سؤالي لماذا هذا الاختيار حتى من قبل من يعتبرون أنفسهم “ليبراليين” أو “مستقلين” أو “عاديين”, بأنهم اختاروا هذا التنظيم ليجربوا.

فإما يطور تنظيم الإخوان خطابه إستراتيجيا وليس تكتيكيا وحسب ويشحذ أدواته ويتعلم من ثقة الشعب كيف تكون التجربة السياسية ميدانيا ونظريا تحت الشمس وعلى مرأى من عيون الشعب أو لا يحدث ذلك وتنتهي حالة الرومانس و الاستيهام.

وفي كل الحالات ليس لميدان التحرير أبواب وإذا كان ليس للشعب تجربة في المشاركة السياسية بعد, فله تجربة في إسقاط الطغاة يعتد بها.

ولله الأمر من قبل ومن بعد.

Fowziyaat@hotmail.com
 

أبجديات التجربة السياسية ما بعد إسقاط النظام؟!
د.فوزية أبو خالد

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة