المرأة السعودية والخليجية والعربية أثبتت وجودها في كل موقع استطاعت أن تبادر بحمل مسؤوليته. وهي لا تفعل ذلك تقليدا للمجتمعات الغربية ونساء الغرب بل لأنها تحمل جينات وذاكرة جداتها العربيات اللاتي شاركن وتميزن في مجتمع احترم التميز. والدتي مثل كل مجايلاتها- رحمها الله- لم تدخل مدرسة ولسبب بسيط وهو عدم وجود مدارس في وقتها. ولم تصبح طبيبة أو مهندسة أو حاملة دكتوراه تخصصية مثل بناتها وحفيداتها فيما بعد, ولكنها تعلمت القرآن وسارت على هديه وتعاليمه؛ هي نفسها التي كانت تصر أن ننفذ رغبة والدي- رحمه الله- أن نتعلم ونتخصص ولم تتخوف أن نواصل الدراسة أنا وشقيقاتي قبلي مبتعثات إلى الخارج.
و أتساءل مع قرائي, لا بوصفهم يمثلون كل المجتمع، بل بوصفهم المواطنين القادرين أن يكونوا رواد تطوير المجتمع, مثلما اتخذ الملك الصالح عبد الله بن عبد العزيز قراره عن قناعة ريادية أن يتسم المجتمع بمنهج الاعتدال والتعايش والتسامح والمواطنة بدلا من تشظي الفئوية وثقافة الهمز واللمز والإقصائية وتهميش نصف المجتمع. وضمن هذا المنهج الصالح أن يكون للمرأة فرصة الحضور والمشاركة في البناء والإنجاز. بضعة أسئلة تطرح نفسها في أجواء مقارنة أنفسنا بتميز جدودنا في أوج الحضارة الإسلامية وليس في ترهلها وتصدعها في عصور تحجر الوعي.. لنفكر جديا في إجاباتها وتداعياتها لكي نفهم معنى توجه الوسطية ومنهج الاعتدال ونلتزم به كطريقنا إلى المستقبل:
1- هل الأفضل أن يتولى قيادة ثقافة المجتمع النساء والرجال المؤهلين والمؤهلات لتسريع تحقيق تطلعات ومتطلبات المستقبل، أم أن يترك موقع التحكم في حركة المجتمع في يد فئة المتوجسين من احتمالات التغيير عن الأمس المعتاد؟ أو المتمسكين بثقافة أنانية المصالح الخاصة بفئة دون فئة؟
2- هل التطور معادل حتمي لفقدان الهوية الثقافية الجوهرية؟
3- وما هي الهوية التي نعنيها؛ المثالية الشعاراتية؟ أم ممارسة الازدواجية والمسكوت عنه على أرض الواقع ؟
4- هل الممارسات والمعتاد الثقافي اليوم باسم الخصوصية المجتمعية هي ماكان المعتاد الدائم في كل الفترات السابقة؟
5- وهل المعتاد الممارس الآن هو فعلا الأفضل في حماية المجتمع رجالا ونساء من شرور «التغيير» ؟
6- هل هو الأكثر فعالية على المدى البعيد في تحقيق الأمن الفكري النفسي والاستقرار للوطن والمواطنين رجالا ونساء في زمن تسارع الجديد علميا والصدارة للأسبق في حيازته؟
7- وبالمناسبة ماذا يعني مصطلح « لانفتاح» ؟
8- هل المطالبة بمنهج الاعتدال والوسطية والتعايش والعدالة الاجتماعية ومشاركة المرأة هو «انفتاح» غير مرغوب؟
9- هل تتطلب المحافظة على الهوية الانغلاق والانفصال عن التطور ورفض المستجدات؟
10- ما هو الأقرب للقيم الإسلامية: أن تعمل المرأة في كل موقع في المجتمع من البيت إلى مكاتب الوزارات ومجمعات الأسواق والمصانع ومراكز النشاطات الثقافية والمهنية مع الاحتفاظ بقيم الإسلام من حيث احترامها وحمايتها وردع من يتجاوز بغض النظر عمن يكون كما هو الحال في دول مجلس التعاون التي سنصبح جزءا من اتحادها الواعد قريبا ؟ أو أن نفترض أن رجالنا ونساءنا غير قادرين على الالتزام بهذه القيم ولا يمارسون ثقافة الإسلام إلا بانفصال الجنسين.. وتغييب المرأة ؟
لا ألوم المتوجسين فالتغيير نحو تحقيق الإنجاز والمشاركة والتميز في العطاء والبناء لا يتم إلا بامتلاك الوعي الثقافي الأكثر حضارية والتزاما بالقيم. ليس بناء على الخوف من ضغوط الآخرين بل من الرغبة في الوصول إلى مستوى الصدارة والتميز. ولا يتحقق إلا عبر التحرك بعيدا عن المواقف المعتادة، وقد يحمل التحرك بعضنا إلى مواقع يفقد بها بعض المستفيدين تميزات مواقعهم الحالية في طبقية المجتمع والسيطرة على ثقافته؛ ولذلك ليس مستغربا أن يحاولوا منع التغيير والتطور.. ولكن للزمن حساباته في اختيار البقاء للأصلح.