إعادة هيكلة قطاع الاستثمار الأجنبي بما يحقق المصلحة العامة، قد يحدث لأسباب مرتبطة بالضغط الإعلامي؛ لا الجانب الإداري والرقابي؛ فخلال السنوات القريبة الماضية، تم تسويق هيئة الاستثمار بطريقة تُظهرها وكأنها السبب الأول في تدفق الاستثمارات الأجنبية في المملكة، والمسؤولة عن دعم قطاع الإنتاج وما تحقق له من نمو؛ لا يمكن أن نبخس هيئة الاستثمار حقها في بعض الإنجازات خصوصًا ما يتعلق منها بمركز الخدمة الشامل الذي قضى على البيروقراطية الحكومية، وتحسين مركز المملكة في سلم التنافسية العالمية، إضافة إلى تشكيل قوة ضغط على بعض الجهات الحكومية لتعديل أنظمتها بما يتوافق مع المتطلبات العالمية؛ إلا أن الهيئة تسببت في فتح بوابة الاستقدام للمستثمر الأجنبي، وتجاهلت سياسة توطين الوظائف، وأضرت بقطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة، من خلال إسرافها في إصدار تراخيص الاستثمار الأجنبي وتجاهلها حقوق المستثمر المحلي الذي يمثل الطرف الأهم من معادلة الاستثمار، والأكثر استحقاقًا للرعاية.
الحديث عن كشف الإعلام لتقصير هيئة الاستثمار في حماية الاستثمار المحلي، وتسببها في إضفاء الشرعية النظامية على المشروعات الداخلة في دائرة التستر، وإغراق السوق بالعمالة الوافدة، وعدم تمييزها بين الاستثمار الإستراتيجي الذي تحتاجه المملكة والاستثمارات الطُفيلية التي تأتي لتنافس السعوديين العاملين في المنشآت الصغيرة والمتوسطة، يقودنا إلى زملاء سَخَّروا أقلامهم الوطنية وبرامجهم لإصلاح أخطاء الهيئة، والانتصار للمصلحة الوطنية ومصلحة المواطنين؛ ومنهم الزميل «داود الشريان» الذي خصص حلقات في برنامجه الإذاعي «الثانية» الذي يبث من إذاعة MBC FM، وبرنامجه التلفزيوني «واجه الصحافة» في العربية، إضافة إلى سلسلة مقالات كشف فيها عن جوانب التقصير، ما تسبب في تسليط الضوء على أداء الهيئة، وبما يحقق المصلحة العامة والهدف الأسمى الذي أنشئت من أجله.
يوم أمس الأول، افتتح الزميل «داود الشريان» برنامجه الجديد «الثامنة» في قناة «MBC1 « بموضوع « الاستثمار الأجنبي بين البطالة والتأشيرات»، حيث وُفِقَ في اختيار الضيوف الذين أثروا الحلقة وقدموا وجهات نظر مختلفة بعضها مُقنع للرأي العام، وبعضها لم يكن كذلك. فالمواطن البسيط يبحث عن انعكاس الاستثمارات الأجنبية على حياته ودخله ومعيشته.
خلق الوظائف عادة ما يرتبط بالمشروعات الضخمة، والاستثمار الأجنبي المباشر، إلا أن مجمل الوظائف المُستحدثة لم ترق أبدًا إلى الحد المأمول.
الأمير عبد الله بن فيصل بن تركي فَرَّقَ بين الاستثمارات الأجنبية الداعمة للتوظيف، والأخرى المُحققة للتنمية؛ وهذا لا جدال فيه، إلا أن غاية الاستثمار الأجنبي يجب أن تنحصر في خلق الوظائف وتوطينها، ونقل التقنية، وزيادة الناتج المحلي، وتوسيع قاعدة الإنتاج، وهي أمور لا يمكن الفصل بينها.
الأمير عبد الله أشار أيضًا إلى أن الصناعة أقل القطاعات توظيفًا للسعوديين، وهذا مقبول نسبيًا، عندما نتحدث عن الصناعات الأساسية، ولكن ماذا عن الصناعات التحويلية التي تتشكل منها المنشآت الصغيرة والمتوسطة الأكثر خلقًا للوظائف، التي تعتمد عليها اقتصاديات الدول الصناعية!.
أعتقد أن الاستثمار الأجنبي أثر سلبًا في قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وتسبب في إقصاء الموظف السعودي لمصلحة الأجنبي.
المنافسة غير العادلة بين الاستثمار الأجنبي والمحلي أدى إلى شح الوظائف بدلاً من خلقها، وساعد في زيادة حجم العمالة الوافدة في السوق، وازدهار تجارة التأشيرات، وظهور ما يُعرف بمافيا التأشيرات.
أعتقد أن الحجم الأكبر من تدفقات الاستثمار الأجنبي ارتبط بالهيئة الملكية للجبيل وينبع، وأرامكو، وسابك، ولا علاقة لها بهيئة الاستثمار، وإن دَخَلَت تدفقاتها ضمن مجمل الاستثمار الأجنبي في السعودية.
الاستثمار الأجنبي يجب أن يكون انتقائيًا بما تحتاجه المملكة من صناعات وتقنية، لتحقيق التكامل الصناعي، فالمملكة تجاوزت مرحلة الاستثمارات الأجنبية الطفيلية التي يكون ضررها أكبر من نفعها؛ خلق الوظائف من أهم الأهداف التي يجب أن يحققها الاستثمار الأجنبي في السعودية، إضافة إلى التدريب ونقل التقنية وزيادة حجم الناتج المحلي، وتعظيم الصادرات السعودية وبما يحقق التوازن في الميزان التجاري، وتنويع مصادر الدخل.
أختم بالإشادة بحلقة برنامج «الثامنة»، وموضوعها المهم، وأحسب أنها الانطلاقة لحلقات قادمة ربما كانت أكثر قوة وجُرأة، وإن كنت أتوقع أن يستأثر الشأن الاقتصادي بمساحة جيدة منها.
f.albuainain@hotmail.com