أعلن صاحب السمو الأمير فيصل بن عبدالله بن محمد وزير التربية والتعليم عن استلام الوزارة لـ 900 مشروع مدرسي للبنين والبنات خلال العام المالي 1432-1433هـ بتكلفة إجمالية بلغت ستة مليارات ريال.

وأكد سموه أنّ الإطار العملي الذي تعمل الوزارة من خلاله

هو التحوُّل نحو المباني المدرسية الجاذبة التي تحقق الاستجابة لمتطلّبات المرحلة الحالية والمستقبلية، كاشفاً عن قيام شركة تطوير القابضة (المملوكة بالكامل للدولة) بتأسيس شركة منبثقة عنها متخصصة في المباني المدرسية ستقوم بأدوار إستراتيجية لتطوير المباني المدرسية وستحقق القيمة المضافة التي تأملها وزارة التربية والتعليم ومنسوبوها، بالتنسيق مع مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير التعليم “تطوير”.

وأوضح سموه أنّ المشروعات التي تم استلامها موزعة على جميع مناطق ومحافظات المملكة وفق ما يلبي الحاجة القائمة ويسهم في استكمال رؤية الوزارة الرامية إلى التخلص من المباني المستأجرة وتحقيق البيئة التعليمية الجاذبة، مشيراً إلى أنّ 164 مشروعاً تم استلامها في منطقة الرياض، و154 مشروعاً في منطقة مكة المكرمة، و43 مشروعاً بمنطقة المدينة المنورة، إلى جانب 72 مشروعاً في منطقة القصيم، و95 مشروعاً بالمنطقة الشرقية، و137 مشروعاً بمنطقة عسير، و45 مشروعاً في منطقة حائل، إضافة إلى 30 مشروعاً في منطقة تبوك، و30 مشروعاً في منطقة الباحة، و13 مشروعاً في منطقة الحدود الشمالية، و47 مشروعاً في منطقة الجوف، و51 مشروعاً في منطقة جازان، و19 مشروعاً في منطقة نجران.

أعلاه الخبر كما ورد في صحيفة الجزيرة ليوم السبت من هذا الأسبوع، أي أنّ التصريح صدر في أول يوم من أيام الأسبوع الدراسي. وفي الحقيقة فإنّ الكثير من المواطنين لن يدققوا في هذه الأرقام بالتفصيل، والكاتب منهم. ولكن الجميع يعي أنّ خادم الحرمين الشريفين اختار سمو الأمير فيصل، وهو الشخص القريب منه كثيراً حرصاً منه على ألا تذهب عملية تطوير التعليم هذه أدراج الرياح كسابقاتها. ولا شك أنّ سمو الأمير يعي حجم المسئولية الملقاة على عاتقه سواء الشخصية المتعلقة بثقة خادم الحرمين الشريفين، أو الوطنية المتعلقة بخدمة وطنه. ولذلك فتأسيس شركة وطنية قابضة مملوكة للدولة تُعَد تخريجاً ذكياً لتجاوز البيروقراطية، وتنم عن قدرة استثنائية على التفكير، الإبداعي، أو كما يقال التفكير خارج الصندوق.

ما يأمله المواطن من سموه أن يتعدى اهتمامه بتطوير التعليم المباني، بالرغم من حاجة المدارس لمبان لائقة تليق بالوطن وبمواطني المستقبل من أبنائنا، فالتطوير الأكبر والأصعب هو تطوير ما يدور في المباني من أنشطة تعليمية وتربوية. فما فائدة المباني الحديثة، وأجهزة التعليم العصرية إذا ما كان ما يدرس فيها من أساليب تعليم، ومقررات، وعلوم عفى عليها الزمن. فعملية كتابة وتصميم منهج عملية صعبة جداً، وتطوير المضمون، أهم من تطوير الشكل، وتطوير المضمون لا يعفي من تطوير الأسلوب الذي يعرض به هذا المضمون.

ومن أجل تطوير مناهج عصرية لائقة يجب أن نفكر بعقل نير متفتح متطوّر يبتعد عن الشخصنة، وضيق الأفق، والمزايدات الإيدلوجية. فنحن لسنا في سباق على الاستحواذ على عقول أبنائنا، ولسنا في صراع حول طريقة تأطير أنماط تفكيرهم. وهذه المرحلة من تاريخنا حساسة وقد تكون مصيرية، فعصر النفط شارف على الأفول، وفسحة الوقت لخلق جيل قادر على التعامل مع معطيات العصر دون الاعتماد على النفط تضيق أمامنا شيئاً فشيئاً، وكفانا من الوقت ما أضعناه في السالف من التجارب. ولكن البعض منا وللأسف، ممن تعلّم تعليماً ذا بُعد واحد فقط، أو تأهّل تأهيلاً مؤطراً يعتقد أنه في حالة جهاد حول المناهج في مدارسنا، وعندما تبحث عن أولاده تجدهم إما يدرسون في الخارج أو في مدارس خاصة لأنه يريد أن يبعدهم عما أوقع أولاد الآخرين فيه.

سموكم الكريم، لا زالت المناهج لدينا تعاني من الحشو، الحشو الذي يغث ولا يُسمن، ومحاولة إجبار الطلاب، في سن الطفولة والمراهقة على صم بعض المناهج عن ظهر قلب دون تدبر لما تعنيه إنما هو إشغال لعقولهم وتشويش لأفئدتهم عما يمكن أن يتعلموه في هذا السنوات الطرية من عمرهم، وهناك حقيقة بدهية وهي أن لا أحد يستطيع أن يرغم أحداً بالعصى على تعلِّم شيء لا يرتبط بميوله بشكل مباشر، ولا يناسب مع سياق الحياة من حوله، وقد ثبت فعلياً أن التحفيظ في الصغر ليست كالنقش في الحجر كما يُعتقد، وكل ما تسهم به هو تشويه أذهان البشر. ولكننا أصررنا طيلة هذه السنين، متجاهلين جميع الحقائق العلمية والتربوية، على عسف الطلاب على استظهار هذه المواد بدلاً من تقريبها بشكل محبب لهم. فما فائدة طالب في الأولى ثانوي، مثلاً، من كتاب من 180 صفحة يدور حول قضايا النكاح، والمواريث، والبيوع، والحدود والتعازير الخ. وهو طالب غير مستقر نفسياً ويتحسس نفسه جنسياً، ولا يستطيع في مرحلة الانتقالية تحديد مكانه في المجتمع، وما يمكنه أن يدرس من مواد أخرى بجانب هذا الكم من الهائل من المسائل الفقهية التي تكفي لمنهج كامل لكليلة من كليات الشريعة، فهل نحن نعد تلميذاً أم قاضيا؟. وحتماً، وبمغادرة المدرسة سينسى كل ما غصب على حفظه، بل إنه قد يتخذ موقفاً غير محبب منه، والنهاية ضياع وقت ثمين وجهد لا يعوض. نعم الفقه مهم، ولكن في حدود المتاح والمعقول، ويمكن تعميم هذا المفهوم على بقية المواد التي طالتها الأدلجة الخفية بما في ذلك الأدب والنصوص وغيرها، باختصار أي مواطن نريد أن نصنع بهذه المناهج؟

أما المواد الأخرى ومنها مواد تعليم اللغة العربية، واللغة الإنجليزية فقد كتبها نحويون، وهي تصلح لتعليم النحو ولا تصلح لتعليم اللغة، والطالب يحفظ قواعد النحو ولا يعرف علاقتها باللغة، وكتب اللغة الإنجليزية كتبت من قبل مدرسي محدودي الاطلاع في اللسانيات كتبوها ليست ككتب لغة بل كتب استعرضوا فيها لمام اللسانيات الذي يعرفونه، وهي تقحم الطالب في قضايا لسانية لا علاقة لها بواقع اللغة المعاش، بينما جميع الطرق الحديثة تتبع الأسلوب التواصلي المرتبط مباشرة باللغة المحكية في المجتمع، ولا تتطلب من الطالب أن يعرف طريقة قوعدتها. وتعليم العربية يعتبر على تعميق الفهم والتفكير والتعبير لا على حفظ قواعد الإعراب والبناء وغيرها. ولو عرجنا على المواد العصرية من رياضيات وفيزياء وغير لوجدناها طويلة ومرهقة للطالب. فللطالب قدرة استيعابية محددة لا يمكن تجاوزها، وما فاض عنها ذهب أدراج النسيان. وكم تمنيت لو جربت الوزارة أن تدرج بعض المعلمين أنفسهم كطلاب في بعض المراحل الدراسية، وتقيس أداءهم قبل أن يباشروا كتابة المناهج. فلو طلبنا من مدرس الحديث ذاته مثلاً أن يأخذ اختباراً مباغتاً في رواية الكم من الأحاديث التي يدرسها الطلاب، وذكر رواتها وأسبابها، فقد لا ينجح فيما يطالب طلابه به.

الواقعية المدروسة، والأهداف القابلة للتحقيق يا صاحب السمو أهم للتخطيط في التعليم من الأهداف الطوباوية والمثالية غير الواقعية التي نراها في مناهج أبنائنا ولا نراها في أنفسنا، فعلينا رحمة من في الأرض ليرحمنا من في السماء. فالطالب المسكين في مرحلة شباب، وتجريب، وانفتاح على الحياة، ويحتاج لوقت لأن يقضيه في هواية ما تنمي ميوله، ويحتاج لمناهج معقولة يستطيع التمعن فيها، لا صور تعليمية سريعة تمر كالبرق أمامه يستعرضها بذهول ولا يستطيع التركيز على أي منها. ويحتاج لمواد حرة يستمتع بها، ووقت يقضيه مع أقرانه. وأنا متأكد من أن سموكم تصله تقارير متواصلة من المشاكل والمشاجرات التي تحصل في المدارس الثانوية بين الطلاب، فهذه ليست إلا بسبب الشد العصبي الذي تسببه المناهج لهم، ولا نعلم فقد تكون هي أيضاً سبب ما يمارسه شبابنا من سلوكيات غير سوية خارج المدرسة من تخريب وتفحيط وغيره. فالأمل في سموكم في تطوير مناهج تليق بعقول شبابنا كما تليق المباني الحديثة بأجسادهم.