المجزرة الدموية التي ارتكبها جندي أمريكي في أفغانستان مؤخرًا لا يمكن أن تأتي في وقت أسوأ؛ فتلك المذبحة التي حصدت أرواح 16 أفغانيًا مدنيًا من المتوقع أن تشعل الوضع المتوتر بالفعل الذي أذكته المشاعر الأفغانية المتصاعدة والاستياء من الوجود العسكري لقوات أمريكا والناتو على أراضيهم، فالأسابيع الأخيرة شهدت انتفاضة ضد الولايات المتحدة لتتحول إلى عنف ضد الأفراد العسكريين والدبلوماسيين الأمريكيين.
لذا يجب على المسئولين الأمريكيين أن يحققوا في ملابسات تلك المذبحة الأمريكية بأسرع وقت وأن يعلنوا النتائج على الملأ، كما يجب عليهم أيضًا أن يحاسبوا أي شخص مسئول عن تلك المذبحة، فأي شيء أقل من ذلك يخاطر بأن يسمح لأي حادثة حتى لو كانت فردية بأن تشعل الأوضاع وتقوض سنوات من الجهود لإحلال الاستقرار في أفغانستان ومنعها من العودة لتصبح ملاذًا آمنًا مرة ثانية للإرهابيين.
وفي غياب المزيد من التفاصيل عما حدث، فإن السلطات الأمريكية تخشى أن تؤدي الشائعات عن تلك الحادثة إلى إشعال المزيد من العنف في التظاهرات ضد الأمريكيين عبر البلاد وتمهد لموجة جديدة من الهجمات الانتقامية ضد أفراد قوات أمريكا والناتو من مقاتلي طالبان ودعايتهم الإعلامية ضد الولايات المتحدة، فحتى الآن فإن الأنباء تشير إلى أن الأفغان يتشككون في أن ما حدث جاء على يد جندي مارق يتصرف لوحده وأنه شن كل عمليات القتل تلك بمفرده، ويعتقدون أن عمليات القتل تلك هي جزء من هجمات أمريكية عسكرية ممنهجة. وزعم بعض الشهود أنهم رأوا الكثير من الجنود يرتدون الزي العسكري ينتقلون بين القرى التي تعرضت للهجوم. ومثل تلك الشكوك بشأن من وكيف حدثت تلك العمليات الأخيرة من القتل تضع ضغوطًا جديدة على العلاقة المتوترة بالفعل بين الولايات المتحدة والحكومة الأفغانية، فهناك شكاوى بين المواطنين الأفغان من أن كرزاي لا يفعل ما هو كاف لمنع مصرع المدنيين على أيدي القوات الأجنبية، ومن المؤكد أن تلك المشاعر ستزداد، كما أن رد الفعل الذي سيقوم به الرئيس الأفغاني استجابة لمثل تلك الانتقادات لأدائه من المؤكد أنه سيعقد إستراتيجية الرئيس أوباما لتخفيف وتيرة الحرب في البلاد.
فالرئيس الأمريكي يريد أن ينهي المهام القتالية الأمريكية في أفغانستان بحلول ديسمبر 2014 وأن يسلم مسئولية أمن البلاد إلى القوات الأمنية الأفغانية من الجيش والشرطة، وبقاء القوات الأمريكية بعد ذلك التاريخ سيكون مقصورًا على الأدوار الاستشارية والتدريبية، ولكن خطة أوباما تعتمد على التجهيز الكامل للقوات الأمنية الأفغانية قبل بدء الانسحاب الأمريكي من البلاد. ولكن تلك الإستراتيجية ستتعرض إلى ضربة موجعة إذا أدت التظاهرات العنيفة ضد الوجود الأمريكي في البلاد إلى رحيل القوات الأمريكية قبل موعدها.فقد اعتقد المسئولون الأمريكيون أن القلاقل التي حدثت في أوائل هذا الشهر التي قد أشعلها قيام أحد المجندين الأمريكيين بإحراق نسخ من القرآن الكريم قد خفتت وتيرتها بعد الاعتذار الذي قدمه الرئيس الأمريكي ووزير دفاعه ليون بانيتا للرئيس كرزاي. ففي العام الماضي اشتعل الغضب الشعبي الأفغاني بسبب ما كشف عن وجود وحدة عسكرية أمريكية مارقة كانت تقوم بقتل العديد من الأفغان على سبيل اللهو وغطت جرائمها بزعم أنهم كانوا من المتمردين، بالإضافة إلى الصور التي أظهرت وحدة أمريكية أخرى تبول على جثث مقاتلي طالبان الذين قتلوهم، وذلك الغضب الذي اشتعل بسبب تلك الحوادث الثلاث تهدد بأن تقوض الجدول الزمني الذي وضعته إدارة أوباما بدقة من أجل سحب قواتها من أفغانستان.
كما أنه ليس الأفغان وحدهم الذين نفد صبرهم بشأن ضرورة مغادرة الأمريكيين لبلادهم، فقد أظهرت استطلاعات رأي حديثة ولأول مرة أن غالبية الأمريكيين - 55 بالمائة - يعارضون الجهود الأمريكية في أفغانستان، بينما يفضل 54 بالمائة الانسحاب الأمريكي حتى قبل أن يستطيع الجيش الأفغاني أن يقف على قدميه. فمعارضة الحرب الآن أصبحت مشتركة بين كل من الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء.
لذا يجب على الرئيس أوباما وقادته العسكريين أن يتحركوا بسرعة من أجل حل تلك المشكلة الأخيرة إذا كان لا يزال لديهم أي أمل في أن يلتزموا بالجدول الزمني للانسحاب من أفغانستان، فحقيقة أن أي حادثة فردية يقوم بها أي جندي أمريكي بمفرده يمكن أن تهدد كافة نتائج الحرب التي استمرت عشر سنوات لهو مؤشر على كيف أن الوضع أصبح مشتعلاً في البلاد وكيف أن أفضل الخطط الموضوعة من أجل الحصول على أفضل النتائج يمكن أن تنقلب رأسًا على عقب. إن الولايات المتحدة بحاجة إلى أن تضع أمامها كل حقائق تلك المأساة الأخيرة على المائدة بأسرع وقت ممكن ثم بعد ذلك معاقبة أولئك المسئولين عنها، لئلا تذهب كل التضحيات الأمريكية من الدماء والأموال نيابة عن الشعب الأفغاني سدى.
* افتتاحية «بلتيمور صن» الأمريكية