من قلب القصور الفارهة والمناسبات رفيعة المستوى والمواكب ذات الحراسة المشددة, انقلبت حياتهن رأسن على عقب, هن زوجات الرؤساء الذين عصفت بهم رياح الربيع العربي وكان غضب الشعوب التفاحة المسمومة التي أخرجتهم من الجنة, منهم من سقط ومنهم من دفع حياته ثمنا لسنوات الديكتاتورية والطغيان, ومنهم من لا يزال يتجرع بمرارة غضب شعبه وثورته على حكمه, الذي دام عشرات السنوات ذاق فيه الشعب عذابات الفقر والجوع وانعدام الحرية.. وكان وراء هؤلاء الطغاة سيدات أوّل بمظهر ساحر وأنيق وابتسامة يرتدنها بفن أمام عدسة الكاميرا.. ولكن بين عشية ثورة وضحاها, سقطت جميع المظاهر الزائفة التي ارتبطت بهن فترة طويلة وانحدرت شعبيتهن, وأضحى والقلق والغموض يكتنف مصيرهن حين أصبحت عناوين قصصهن تحوم ما بين لقب هاربة ومتهمة ومجهولة القدر.
ليلى بن علي زوجة الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي تبوأت لقب السيدة الأولى لسنوات طويلة لا يعرف بعد مقر إقامتها بعد أن غادرت تونس مع زوجها وتركت خلفها مسيرة مطرزة بانتقادات الشعب لها.
سوزان مبارك ليست أفضل حالا من نظيرتها التونسية إذ وجهت إليها اتهامات بالفساد المالي واستغلال منصب زوجها بعيّد سقوط نظام زوجها.. سوزان التي أسقطت عنها التهم مقابل تنازلها عن أموالها حاولت الانتحار عشية سقوط النظام حسبما ذكرت في مذكراتها التي باعت حقوق نشرها لدار نشر بريطانية بعشرة ملايين جنيه إسترليني بعنوان “سيدة مصر الأولى.. 30 عاماً على عرش مصر”.
يبدو أن صفية فركاش زوجة الرئيس الليبي معمر القذافي الذي قتل في تاريخ عشرين أكتوبر الماضي تتصدر قائمة سيئات الحظ على الرغم من عشرات المليارات التي تسكن أرصدتها, إذ قتل زوجها واثنين من أبنائها وهي مستقرة حاليا في الجزائر التي وافقت على استقبالها في ظل ظروفها الإنسانية الصعبة.
أما أسماء الأسد التي تنحدر من أسرة من حمص -عاصمة الثورة السورية-, تلقت تعليمها في بريطانيا وتميزت بجمالها وأناقتها وثقافتها العالية ولكن ذلك لم يكن كافياً لتغطية المجازر اليومية التي يرتكبها زوجها.
أسماء الأسد صرحت مؤخرا عبر صحيفة التايمز البريطانية بعد سكوت دام 10 أشهر بأنها تدعم زوجها وقواته مما أثار موجة غضب واستياء لدى المعارضين للنظام.
ومن هنا يظهر سؤال كبير.. ما هو الدور الذي يجب أن تلعبه المرأة التي تحظى بهذا اللقب الذهبي “حرم الرئيس” أو “السيدة الأولى”؟ وإلى أي مدى تستطيع أن تكون بحجم المسؤولية؟ أن تصنع بذكائها الأنثوي قوة ناعمة تدعم حكم زوجها وتمنحه طابعا أكثر صدقا وقربا للشعب من خلال تواجدها في المجتمع روحاً وجسداً.. ليس فقط في المناسبات باذخة الترف بل بين هموم المواطنين وتطلعاتهم.. في قلب آلامهم وآمالهم.. في المؤسسات الخيرية والجامعات والمدارس, بل وحتى في الأماكن العامة..حتى يلامسن هموم الناس ويتابعنها عن كثب, ويقرأنها من عيون الناس لا من أخبار البطانة المحيطة بهم.. وحتماً ليس من الصحف التابعة للنظام, بهذا التواجد العميق ستستطيع السيدة الأولى أن تكسب قلوب الشعب وعقولهم التي باتت تتساءل عن دورها الحقيقي الذي بقي سنين طويلة يقتصر على قص الشريط والتقاط الصور, ونشرها في الصفحة الأولى بعنوان صحفي مثير للشفقة والملل. يجب على كل زوجة رئيس أن تترك بصمة جميلة على قلوب المواطنين وذاكرتهم فالدول والعروش زائلة.. لكن ذاكرة الشعوب والتاريخ لا تعرف النسيان أبدا.
Twitter:@lubnaalkhamis