“اللجنةُ (كائن إداري) يلجأُ إليها كلُّ ذي ولاية عامة أو خاصة للمساعدة في حلّ معضلةٍ أو اتخاذِ قرارٍ أو ترتيبِ آلية التنفيذ لأمرٍ يهدفُ إلى التحُّول بالمنشأة إلى حال أفضل.
“وهي لا تنَشأُ من فراغ ولا تمارسُ مهمتَها في فراغ، وهي قبل هذا وبعده، ليستْ مظهراً يرتبُط في الأذهان بـ(الطوارِئ) أو المفاجَآتِ، لكنها جزءٌ لا يتجزّأ من الممارسة الإدارية للمنشَأة، وقد تكون لمهمتها بدايةٌ ونهايةٌ لتحقيق غايةٍ ما، وقد تكون مدةُ بقائِها ثابتةً ثباتَ الغايةِ التي أُنشِئت من أجلها.
“واللجنة تعريفاً، هي مجموعة من الأفراد يكلَّفُون بمهمة معينة لغرض معين خلال زمن مقنَّن أو غير مقنّن، كما سلف القول، وهي ظاهرةٌ إدارية صحية كلَّما التزمَتْ بأُطِر عقْلانيةٍ لا عشْوائية، تشكيلاً ومهمةً وأداءً، وستبقى كذلك كلَّما كان اللجُوءُ إليها أمْراً لا مفرَّ منه ولا بديلَ له: وكانت غايتُها تسهيلَ الأداءِ لا تعطيلَه، والإخْلالُ ببعضِ أو كل هذه الأُطُرِ يعَّطل مهمة اللجنة ويُحرّفُ مسارَها ويحوّل إيجابيتها عبْئاً وعَبَثاً!
“إن من أبرز منافع اللجنة لصانع القرار أنها توفر له قاعدةً معلوماتيةً رحبة، وتهيئ له بدائلَ مختلفةً من الخيارات التي يمكنه انتقاءُ المفيدِ فيها أو من مزيج منها لتكوين مادة القرار، كما توفرَّ هامشاً معقُولاً من الحِيدة والنزاهةِ للقرار يدعمُ نزاهةَ صَاحِب القرار.. فلا يكونُ أسيرَ اعتباراتٍ شخصيةٍ يُسيّرها الهَوى، أو ضغوطٌ جانبيةٌ من أيّ صوبٍ أو كيفٍ، يمكن أن تؤثَّر سلباً في القرار، توجُّها أو محتَوىَ، لصَالح طرفٍ من الأطْرافِ بعيداً عن مسَارِ النَّفعِ العام!
“وإذا كانت اللجنةُ من حيث المبدأ ظاهرةً إيجابيةً وصحية لا غِنَى عنها في أي بيئة إدارية، فإن ذلك لا يعني بالضرورة عدَمَ تعرُّضِها لعبَثِ العشْوائيةِ أحياناً، فتُنشَأ لأيّ سَبب، وتُشكَّل بأيّ عَددٍ من البشر، دون اهتمام بالاختصاص أو التخصص، ودون أن يُوفَّر لأعضائها حدَّ أدنى من التقارب الفكري والمهني والتجريبي.
“ولكي تنأى اللجنة عن هذه المزالق، وتَحتفِظَ بالعقْلانيةِ المسوَّغةِ لوجُودِها، يتعيّنُ أن تَتوفَّر لها مؤشراتٌ تؤهَّلهُا للنجاح، من بينها:
1) ثبوتُ الحَاجِة لها، كوسيلةٍ يستعينُ بها صَاحبُ الوِلايةِ أو القرار لإثراء قراره، هدفاً ومضموناً.
2) أن يْخضعَ اختيارُ الأعضَاء لمعيار دقيق يُراعَى في ضوئه ما يلي:
أ) أن يكونَ النصابُ المنشودُ لتشكيل اللجنة رئيساً وأعضاء ومقرراً، عَدداً مْحدُوداً قدر الإمكان، كي يكونَ عونا للجنة لا عبئاً عليها.
ب) أن تُراعيَ المنشأةُ ملاءمةَ التخصُّصِ المهني للغاية التي تنشد اللجنة بلوغَها.
ج) أن يكونَ للجنةِ قائدٌ حازمٌ وحَصِيف يسيّر مهمتَها وييسَّر صِعَابَها، ويقوَّم أداءها، ويضْبطُ إيقَاعَ التفاعلِ بين أعضَائِها، ويتعاملُ بعقْلانيةٍ وحُلم وحَزْم مع تباين الآراء واختلافها، فيعْرِف كيف يحتويها، وكيف يستفيد منها، في آن!
“من جهة أخرى، هناك الكثير من السلبيات المقترنة بنشاط بعض اللجان، من أهمها ما يلي: 1) تشتت عضوية المرء الواحد عبر أكثر من لجنة، وتكون النتيجة تعثَّر جهوده فلا تنَالُ منه هذه اللجنة أو تلك إلاّ جهدَ المقل، وقد ينعكس ذلك سلباً على حضُوره وأدائه، ويغيبُ النفع المرجو منه.
2) كثرةُ الأعضَاء ضمن لجنة واحدة، بلا مسَّوغ موضوعي أو مبرر عقلاني، وتَتَحول اللجنةُ إلى سَاحة مضْطربةٍ من الجدَل والجَدَلِ المضاد، فيزهق الوقت هدراً، ويطول أجل المهمة التي كلفت بها، وقد يبلغ (الخُلْفُ) بين الأعضاء حَدّاً يعَّطل مسَارَها ويعجَّل بنهَايِتها، قبل أن تُحرِزَ نتيجةَ ما كُلَّفت به أصلاً!
“وختاماً.. أعود من حيث بدأت فأقول:
1) إن اللجنة خَيرٌ لا ضَرَر منه، وضرورةٌ لا مفرَّ منها، ولا بديلَ لها، متى ثبت لصَاحِب الشأن تفّوقُ خيَارها على ما سواه.
2) إن أيّ لجنةٍ كَبُرت أو صَغُرت، مهمةً وحجماً، لا تملك (وصفة جاهزة) للنجاح لمجرد تكوينها، بل يتطلبُ نجاحُها جهداً كبيراً يبذله رئيس اللجنة وأعضاؤها لتضييق هامش الاختلاف الذي قد يؤدي إلى (خلاف) في المواقف، و(انقسام) في النوايا، وبدلاً من ذلك، يحاول المعنيّون بها استثمار (اختلاف) الآراء لإثْراِء البحثِ وصُولاً إلى موقف أكثر صواباً.
“أخيراً، ما أكثر ما سمعنا ونسمع عن لجان حكومية وغير حكومية تشكل لمهمة معينة.. ثم لا تنتهي إلى قَرارٍ أو توصيةٍ لأسباب عديدة، من بينها سيطرةُ الخلاف على الوفاق بين أعضائها، وغيابُ الموضوعية في طرحها ومداولاتها، وتباعدُ الفَواصلِ الزمنيةِ بين اجتماعاتِها، حتى يأتيَ وقتٌ قد يَنْسَى فيه بعضُ أعضَائِها الغَرضَ من إنشائها!