اعتمَرت هذه السنة ثلاث مرات، إحداها في رمضان، وآخرها قبل شهر تقريباً، وفي ذلك اليوم طلبتْ إيقاظها للسحور لتصوم يوم الخميس كالعادة، ولكن قضى الله أن يكون الأجل قبل ذلك السحور، وانتقلت الى جوار ربها في ذلك اليوم بتاريخ 9-3-1433هـ. اللهم اغفر لأمي وارحمها، وأسكنها الفردوس الأعلى من الجنة ووالدي وجميع موتى المسلمين. و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
دفنتك في قلبي كما عشت في قلبي
فما غيره قبرا وإن بت في الترب
وواريتُ فيه الطهر والعطف والتقى
وواريت أغلى الحب يا منبع الحب
وواريت يا أماه كل سجية
يحن إليها فيك من وجده قلبي
وأمطرت ذاك القبر بالدمع لهفة
وأوكلت نبض الروح بالبر والحدب
وعدت إلى دنياي لكن رأيتها
تُجَهِّمُ وجها متلف اللون بالكأب
فلاقيتها مثل الغريب لمثله
فلا خوف من منأى ولا طعم في أوب
تطاردني الذكرى وفي كل موضع
فتدفع صبرا كان جلداً إلى الذوب
أقلب طرفي .. ها هنا كان مجلس
نُشَنِّفُ فيه السمع للمنطق العذب
وتلك زوايا كم أطلت فرحبت
ألا حي من زاروا على السهل والرحب
وإن غبت عن بوح الأماكن زارني
رسول زمان بالأحاديث والكتب
فذلك يوم كلما حل قال لي
ألم تعزف الأشواق للأم في القلب؟
وذاك خميس للأخيات كلما
أطلَّ جعلت البشر من حسنه ثوبي
رفيقة درب كل عام لعمرة
فما مثلها أجرا وسلوى على الدرب
أعود صغيراً كلما كنت قربها
وإن كان شعري فيه غزو من الشيب
فأسمع منها (يا بني) شجيَّة
وأشدو بـ(يا أماه) بالقلب واللب
فودعت قولي بعدما غاب قولها
وأحرق حر البعد ما طاب من قرب
وودعت بحراً من عطاء ورحمة
علينا بريئاً من نوايا ومن ريب
وودعت في الليل البهيم تضرعاً
إلى الله منها يبعث البشر في القلب
وأُغلق باب كان للجنة الهدى
فهل كان لي باب إلى العفو يا ربي؟
إذا بَرَّ بي بِرُّ ولو قل كسبه
يؤنبه التقصير في قلة الكسب
وما مثل فَقْد الأم صدعاً لنجلها
وما لانصداع النجل بالفقد من رأب
خلا البيت من أنس فجاور قبرها
وعادت إليه وحشة القبر في الصحب
كما باصطبار في الرزايا تحثنا
سننفذ ما أوصت ونصبر للخطب
ونرضى كما كانت بأقدار ربنا
فلله كل الحمد في المنع والوهب
أجابت لداعي الله عند كتابه
وصوت لتالٍ والحديث بما ينبي
صفى قولها والسمع والنية التي
تُهم بصوم كان منها على الدأب
فيا رب فارحمها عن النار إنها
لترجوك في الدنيا متابا من الذنب
ويا رب فاجعل في الجنان مقامها
بجودك يا منان يا قابل التوب
وداعاً أيا أماه لا خلق خالدٌ
وإنا على درب سلكت لفي الركب