النقل في المملكة في مجال الطرق البرية هو أحد المجالات التي تظهر بوضوح مدى اهتمام خطط التنمية في المملكة بمشاريع البنية التحتية؛ إذ يبلغ مجموع أطوال الطرق المزدوجة والسريع والمفردة كما تقول الإحصاءات أكثر من 58 ألف كيلو متر بين مدن المملكة وقراها. وكل من زار المملكة يلحظ بوضوح هذا التقدم الهائل في هذا المجال الحيوي الهام؛ فيندر أن تجد طريقاً حتى ولو كان إلى قرية نائية صغيرة لم يسفلت؛ كما أن صيانة هذه الطرق بشكل مستمر تعتبر متميزة قياساً مع الطبيعة الجغرافية الصعبة التي تتعرض لها، خاصة إذا كانت تمر بوديان وجبال وعرة، أو تخترق صحاري ذات كثبان رملية دائمة الحركة. وهذه شهادة لا بد من الإشارة إليها عند الحديث عن النقل في المملكة، وبالذات النقل البري بين المدن والقرى.
غير أن هناك بعض المجالات التي تتحمل وزارة النقل (المسؤولية) تجاهها، ومع ذلك ما زالت مُقصرة فيها، وأهمها غياب النقل العام، أو الجماعي، عن جميع مدن المملكة دون استثناء؛ هذا الغياب هو سبب رئيس من أسباب الاختناقات المرورية التي تعاني منها أغلب مدن المملكة، وبالذات الرئيسة منها كالرياض ومكة وجدة والدمام. ففي الرياض مثلاً أزمة مرورية شبه دائمة، ليست فقط في أثناء ساعات الذروة، وإنما أغلب ساعات النهار، الأمر الذي جعل التنقل بين أجزاء الرياض مترامية الأطراف يتطلب وقتاً قد يُضاهي السفر بالطائرة من الرياض إلى جدة مثلاً؛ وهذه حقيقة وليست مبالغة يلمسها من يعيش في هذه المدن وخاصة مدينة الرياض هذه الأيام؛ ولا أرى وزارة النقل مهتمة بتذليل هذه المشكلة إما بإيجاد قطارات داخل المدينة، أو على الأقل إيجاد خطوط نقل جماعي تساعد في انفراج هذه الاختناقات.
أعرف أن وزارة المالية تشارك وزارة النقل في هذه المسؤولية؛ حيث إن خدمة النقل العام تحتاج إلى (إعانة) مالية من الدولة مثلما كان عليه الأمر في الثمانينيات والتسعينيات من القرن المنصرم، وكما هو أيضاً مُتبع في أغلب دول العالم تقريباً؛ هذه الإعانة جرى إيقافها كما أشار إلى ذلك مدير عام شركة النقل الجماعي. ربما أن إيقاف الإعانة في الماضي كان مبرراً لانخفاض أسعار النفط، وبالتالي انخفاض مداخيل الدولة آنذاك، غير أن الدخل الآن في أوجه تاريخياً، والأرصدة النقدية للدولة تربو على 2 تريليون ريال، فضلاً عن أن خدمة النقل العام لا يمكن البتة الاستغناء عنها، وغيابها يعني أن الازدحامات المرورية في المدن الرئيسة في المملكة ستزداد وسيتفاقم الوضع أكثر، ما يجعل النقل الجماعي مساعداً في حلحلة هذه المشكلة، أو على الأقل سيمنعها من التفاقم.
وقد سبق وأن كتبت عن هذا الموضوع، وتساءلت عن سبب امتناع وزارة المالية عن المعونة، غير أن وزارة المالية (كالعادة) لم تعلق.
وإذا كان (لا بد مما ليس منه بد)، سأقترح في هذه العجالة حلاً لعلاج غياب النقل العام داخل المدن لن يكلف وزارة المالية نفقات إضافية؛ مؤداه أن يجري فرض رسم على السيارات الخاصة بشكل سنوي، يتم تحصيلها مع إصدار استمارة السيارات الجديدة، وكذلك عند تجديدها، بنسب تتوازى مع قيم هذه السيارات، بحيث كلما ارتفع سعر السيارة زاد مبلغ الرسم، وإذا انخفضت قيمتها انخفض الرسم، وكامل هذه الرسوم تذهب كإعانة للنقل العام، وكذلك لإنشاء قطارات نقل عام داخل المدن؛ ونحن بهذه الطريقة لن نخفف الاختناقات المرورية فحسب، وإنما سنحافظ على البيئة التي تتلوث بدخان عوادم السيارات، التي تتزايد أعدادها بشكل كبير ما يجعل مدن المملكة مرشحة في المستقبل (القريب جداً) لأن تكون من أكثر مدن العالم تلوثاً بيئياً، هذا إذا لم نعد نتعامل مع هذه المشكلة بحلول عاجلة تهدف إلى التقليل من عدد السيارات، وإيجاد وسائل نقل بديلة.
إلى اللقاء.