صدرت توجيهات أم العيال من أقصى المطبخ بأن أحضر لها وعلى وجه السرعة مادة من محل البقالة القريب لاستكمال طبق ساخن كنت قد اشتهيته، وكعادتها -حفظها الله- تلبي رغبتي, ولأني صاحب هذه الرغبة والجوع بدأ يأخذ مني مأخذه, قدَّرت أن توجيهها يرقى إلى منزلة الأوامر لاسيما أنها في مطبخها وتقوم بمسئولياتها، فلذلك تعدّ طلباتها أوامر واجبة التنفيذ, وليس هناك ما يمنع أن تكون ولاية الأمر في المنزل بالتعاون والمشاركة الديمقراطية لإنجاح شئون الأسرة، ولا غضاضة في ذلك إلاَّ عند (هرّ يحكي انتفاخاً صولة الأسد).. في المحل قابلت أحد الجيران فخاطبني مستغرباً بقوله: (سلامات عسى ما شر)؟! قلت ماذا تقصد؟ قال: أراك لا تلبس غترةً وتلبس الشبشب, هل هناك ما يدعو للفزعة؟ سألته: هل يجب عند خروجي للبقالة أن ألبس ملابس العيد وأغتسل بالعطور؟! هذا واقعنا الحقيقي من حيث النظرة للمظاهر فهي غير متعمقة بل أراها سطحية ساذجة, فتخيل لو أنك حضرت للعمل وأنت بكامل قيافتك وأناقتك لكنك تميل العقال الذي على رأسك (إلاَّ أن تكون في الشمال أو الشام), فتجد كثيراً من الزملاء تتجه أبصارهم لقمة رأسك في نظرة استنكارية استفهامية وكأنك ترتكب خطأ ينذر بخطر على المبنى بمن فيه, والمسألة أبسط من التفكير بها, لولا أن قصراً في الفهم يعتور البعض أحياناً, قس على ذلك ممارسات في الضيافة ومراسم تقديم القهوة على سبيل المثال لأمور كثيرة يمكن ملاحظتها, فأحدهم يؤنب ابنه إذا لم يضرب فنجان القهوة بالدلة بعد صب قليل جداً من القهوة, وإن هو صب ما يملأ نصف الفنجان فتلك مصيبة فلابد أن يكون أقل من ذلك! لماذا؟ هل تريد الضيف أن يقول إنك مللت من خدمته أو أنك تقول له ارتوي من القهوة بسرعة وأرحنا من تكرار السكب لك؟! في رأي أن هذا منهج أهوج وتفكير معوج, وفي كل منطقة هناك أمثال هذه الترّهات، والحكايات مضحكة ونوادرها غريبة ومنفرة في آن واحد, يقول أحد الأصدقاء إن والده أمسك بتلابيب أخيه الأصغر بعد انصراف ضيوفهم يؤنبه وبعد أن هدأ غضب والدهم سألوه عن سبب ثورته، قال: يا قليل الأدب كيف تدخل على الضيوف وأنت لا تلبس العقال على رأسك؟! هكذا كان قراره دون توجيه لطيف, ثم أن الأمر لا يستحق الاهتمام ولا الغضب ولا التعنيف, فهو لم يدخل بملابس النوم أو بملابس السباحة. بالمناسبة كنت في رحلة مع رفاق عمل في مدينة ساحلية وتوجهنا للبحر وأصرّ أحدهم على لبس الشماغ (والثوب بالتأكيد) معالحذاء الجلدي, قلت له إن الأنسب للبحر هي الملابس الخفيفة والحذاء البلاستيكي, قال (أعوذ بالله أن أخرج أمام الناس كما تقول، عيب على الرجال يمشي مفرّع). ومن الطرائف ما يرويه الدكتور غازي القصيبي في كتابه (الوزير المرافق) من أن المستشار الألماني (هلموت كول) أثناء زيارة للمملكة, سأله سؤالاً خافتاً وطلب منه صراحة أن يوضح له مقامات من يلبسون الشال (الغترة) الأحمر والأبيض وما الفرق بينهما, فأجابه -رحمه الله- بأسلوبه الممتع الساخر اللاذع, وإن المسألة تخضع للرغبات ليس إلاَّ.