الجامعـــات مـــن أهم وأخطر وأنبل وأرقى وأشمل قطاعات التنميــــة الحقيقية والمستدامة في المجتمعات محليها وعربيها كمـــا هو الحال في عالميها!!.. فهي محاضن التوجيه والتوعية والتثقيـــف وأماكن مد جسور التواصل والتلاقي مع فئة الشباب والفتيات خاصة - ومركز بناء القناعات وترسيخ الأفكار والمسلمات، وتنبع أهميتها من عدة أمور أهمها في نظري:
- إنها ملتقى الشباب من مختلف الأطياف والتوجهات، والهموم والتطلعات، والنزعات والخلفيات، وكلنا يعلم طبيعة الشاب خاصة في هذا الوقت بالذات.
- إنها منبر الأفكار وموطن الحوار بين الأجيال.
- إن فيها من مختلف الجنسيات وبجميع التخصصات والخلفيات الفكرية والمدارك والإفهام والقدرات المتباينة التي يصعب أن تجدها في غير هذا المكان، كما أن فيها تدرس النظريات الصالح منها والطالح، وكذا تشرح التصورات من مختلف الثقافات وبكل الحضارات.
- إنها تتعامل مع العقل الذي هو منطلق التغير وركيزة البناء وباعث العطاء في جميع الأوطان وبكل الثقافات.
- إنها هي المرشح وبقوة لرسم سياسة وإستراتيجية التغيير المجتمعي الناضج والمرشد، القائم على دراسة الاتجاهات واستشراف المستقبليات برؤية علمية صحيحة.
- إنها هي من سيقود المجتمع لصناعة التنمية الفاعلة من خلال وفائها بالضلع الثالث من أضلاع رسالتها السامية ألا وهو خدمة المجتمع.
لذا كان الاهتمام بها وما زال من لدن القيادة السعودية كبير وواسع، ولا أدل على ذلك من إقامة المدن الجامعية المتميزة.. والتوسع في فتح الجامعات “الناشئة” هكذا يقولون!!.. واستقطاب الكفاءات العلمية الرائعة من مختلف الجنسيات واللغات والثقافات.. وأسندت مهمة إدارة هذه القطاعات التنموية الهامة للكوادر الإدارية والأكاديمية المشهود لها بالوطنية والحكمة والتميز.. ومع كل ما بذل إلا أن ما حدث في جامعة الملك خالد يفتح العديد من الملفات، ويفرض المطارحة والنقاش حول عدد من الإشكاليات الهامة داخل أروقة جامعاتنا السعودية بكل شفافية ووضوح، ولعل من أهم هذا الإشكاليات “عدم إشراك الطلاب والطالبات في اتخاذ قرارات تسيير الأمور في الجامعات”.. سواء من خلال النقابات الطلابية التي يتم انتخابها بشكل هرمي مفتوح، أو عن طريق المجالس الاستشارية التي من المفترض أن تمثل الطلاب وتنقل صوتهم وتترجم مشاعرهم وتتبنى وجهات نظرهم وتتدارسها مع صناع القرار في الجامعات وعلى رأسهم معالي المدير، ويمكن لهذه الفئة الممثلة للكل معرفة المشاكل والمعوقات داخل أروقة الجامعات وفي دهاليز الكليات والتي هي غالباً في رحم الغيب المطلق للكثير من الطلاب والطالبات.
إن بناء ثقافة الانتخاب وتجسيد مفهوم مؤسسات المجتمع المدني الفاعلة والمؤثرة في مجتمعاتنا المحلية تبدأ من داخل أسوار الجامعة، وبالتربية المدنية الواعية والواعدة المبنية على التطبيق والممارسة، ولا يمكن قفز الحواجز وحرق المراحل بل لابد من التأسيس المرتكز على ثقافة ذات عمق معرفي مؤصل ومدروس بشكل جيد وصولاً للبناء المجتمع الراشد والصلاح الذي يتطلع لوجوده اليوم شريحة عريضة من شباب وفتيات الوطن، وإن كانت المنطلقات عندهم تتباين والتطلعات تختلف والتوجهات جزما ليست سواء، عموماً أعتقد أن إشراك الطلاب في مطارحة قضاياهم، وتتدارس حياتهم العلمية، والاستماع لما يقولون، وفتح منافذ الحوار الواسع معهم، وجعل الأبواب مشرعة في وجوههم، والقلوب مفتوحة أمام جموعهم، خطوة هامة في هذه المرحلة المفصلية في تاريخنا الوطني وإلا ستكون الأبواب الخلفية هي الطريق الذي يسلكون في جنح الظلام لإيصال مطالبهم، وقد يتطور الأمر إلى مثل ما حدث في جامعة الملك خالد وربما أشد لا سمح الله!..
إذ تؤكد النظريات التربوية والنفسية المتخصصة فضلاً عن نظريات الاستثمار في رأس المال البشري على أن شباب الجامعة هم.. أعضاء مؤسسات المجتمع المدني بكل ميادينه المهنية والفكرية والثقافية والاجتماعية وإن لم يعط لهم الأذن بتحمل المسؤولية والتدريب على ممارستها من خلال الهياكل الجامعية كالاتحادات والنوادي وغيرها المنتشرة في جميع جامعات العالم، والهادفة إلى تأصيل القيم الوطنية ومتطلباتها من حسن التعبير والحوار والتفاوض القائم على إدراك النظم واللوائح وكيفية التعامل معها وكيفية بناء الرأي والموضوعية وطرق حل المشكلات والمواءمة بين الطموحات والإمكانات، والتأني في النظر، وإلا سيكون البديل غلبة الحماس وسيطرة طاقة الشباب والوقوع في أسر الشائعات وما ينتج عنها من تداعيات.
إن جميع من في الجامعة من مديرها إلى آخر رجل وامرأه فيها لم يكن لوجودهما ضرورة لولا الطالب والطالبة، ولذا فإن حقوق هؤلاء الطلاب منحهم الفرصة للتعبير عما يجول في خواطرهم ونقل ما يعترض طريقهم وتسهيل مهمتهم في الوصول إلى آمالهم وتحقيق طموحاتهم، وتذليل الصعوبات التي تقف حجر عثرة في مسيرتهم قدر المستطاع، وجزما لا يمكن لعاقل أن يقول ليترك الحبل على الغارب حتى يديروا طلاب جامعاتنا مرافق ومكاتب كلياتهم، كما أن من المستحيل تلبية جميع رغباتهم، ولكن سددوا وقاربوا، وليكن في أنظمتنا مرونة واتساع: ليكن هدفنا الوصول إلى الجمع بين المصلحتين “الاحتواء” و”الجودة” وهذا هو التحدي الحقيقي أما أسرة الجامعة بأسرها، خاصة “الناشئة منها”!! التي جاء ميلادها من أجل أن تكون مركز إشعاع تنموي، ومصدر بناء حقيقي، وملتقى تفاعلي ثقافي واجتماعي، ومؤثر قوي في اقتصاديات المناطق والمحافظات.