المناسبات العديدة المبهجة التي تحتضنها المدن الكبرى في البلاد، تجدد في النفس حيويّتها، وتبعث مزيداً من وقود الطموح لحركات ارتدادية منتجة، في نشاط الإنسان من أفراد المجتمع، أذكر كيف غدا معرض الكتاب في موسمه السنوي محور عزيمة فتيات الثانوية، والجامعة اللاتي أعرفهن في السنتين الماضيتين, وأيضاً في هذا الموسم الحالي له، فلا يكدن يصلن من مدارسهن ظهراً إلاّ يجلسن لواجباتهن استعداداً للذهاب للمعرض، والتسوُّق منه ما يرتبط بدراستهن، أو ميولهن.., واقتناء ما يخترن من مضمونه ما يضيف لهن من أدب بديع، أو فكر ممتع..، أصبحن يميّزن هذا العام بين مطبوعات دور النشر, واختصاصات بعضها، تطوّرت خبراتهن بالكتاب, أصبحن يقنن ما الذي يحتجنه من الخبرات، وما الذي سبق أن ألممن به، تنامت لديهن قدرة التذوُّق، وأهمية الموضوعات، والحاجة للمزيد في فرع ما من فروع المعرفة، تكوّنت لديهن حاسة نقدية يميزن بها بين الغث, والسمين، بل بين الأساليب، والمضامين ..., بل أصبحن يناقشن بأسماء المبدعين وما يقدمون ولهن الرأي في تقييم ما يقرأن... وغدت أحكامهن موضوعية، ترتبط بالمنتَج ذاته، لا بصانعه..

زاد من أهمية هذه الإضافات في حركية ما تضخُّه مؤسسات الثقافة, ونحوها للإنسان من خبرات, وأقنية، ومعارف، وعلوم، في أوعيتها المختلفة, والمستجدة أن أصبحت هناك مرونة في التعامل مع وسائل التواصل الحديثة، التي وصلت، وأوصلت الجميع حيث يكونون، بما فيه هذا المعرض العلامة البارزة لمؤسسة الثقافة الكبرى, وإن لم تتح لهم ظروفهم ملامسة أرض معرض الكتاب في الواقع، فتحقق لهم أن يصلوها عن كل منفذ, ونافذة، باستخدام ما أعد لهم، وتوفر لتواصلهم خاصة بالمبدعين أنفسهم، والمؤلفين ذواتهم، بما خططت له، ومكنت منه وزارة الثقافة المعنية بهذا المعرض..

على كل الاعتبارات، هناك شعور جمعي بنجاح تجربة الإضافة التي ضخّها في شرايين الحماس, والنشاط، وزاد من رغبة الاستزادة, والتواصل مع الآخر قريباً، أو بعيداً، على اتفاق معه، أو اختلاف، بكل المقاييس هذا المعرض، الذي هو موسم أخضر تعشوشب به الروح بمثل ما يعشوشب به الفكر.., ليس بين الكبار الناضجين فقط، بل أيضاً شمل فئات المجتمع العمرية ..

يبقى الأمل أن تُقرأ، وتُسمع كل الخبرات التي قدمها بين أيديهم طيلة الأيام من العام، حتى يعود موسمه الآتي فهو علامة تحضر جميلة بارزة..