كان ذلك في بدء الشباب أيام الفتوّة والأمل والخروج على المألوف والاعتزاز بـ(الصعلكة) الثقافية واللامبالاة المطلقة بالثبات المديني والتأطير الاجتماعي ورفض السائد و(تحديد) السمات الجامدة للإبداع، وإطلاق الفكر إلى سماوات الحرية الشاسعة، أقول كان ذلك أيام الشظف المعاشي والظمأ الشديد إلى اغتراف المعرفة وانتزاع الثقافة من استحواذ دور النشر مهما كانت العواقب ولو من خلال امتهان السطو (النبيل) من أجل اقتناء الكتاب، وكان ثمة عُرف شفهي متداول بين المثقفين - الصعاليك - يجيز سرقة الكتاب، بل يؤكد هذا العرف على المقولة الذهبية الرائعة التي تقول: (الغبي هو من يُعير كتاباً والذي أغبى منه هو الذي يردّ الكتاب).
وكانت إحدى مواد العُرف الشفاهي إياه (تُشرعن) سرقة الكتاب وتمجّد (حناشِل) معارض الكتب تماماً كما كانت القبيلة تُمجّد (حناشلها) في الجاهلية الأولى والثانية أيضاً.
بالأمس لست أدري كيف عادت إلى الروح تلك (النزعة) والتي لربما يعتبرها الجيل الحالي (مثلبة) بينما كان جيلنا يعتبرها (مرجلة) مثلما كان أجدادنا (القبليون) يعتبرون (الحنشلة - مرجلة). وهنا أصارح القراء أنني كنت (حنشولي) كتب مُعتبر ولكنني أقلعت عن هذا السلوك الذي لم يعد يليق بي بعد أن تخطيت الأربعين من العمر، ولكن كما يقال (من له عادة ما يخليها)، بل إنني وجدت أنني مرغم على (اقترافها) من جديد وذلك لسبب جد بسيط ألا وهو أنني أحسست أن أحد أصحاب دور النشر حاول استغلالي بثمن كتاب رأى تهافتي عليه وإصراري على اقتنائه وحينما (بهظني) السعر قررت أن أرد له الصاع صاعين ولذلك رحت أستعرض مطبوعاته وأغافله، وكلما أعجبني كتاب منها وضعته في كيس كنت أحمله إلى أن أيقنت تماماً أنني قد (نشلت) من مطبوعاته (المبجلة) ما تجاوز سعر الكتاب الذي (نشلني) بسعره ثم تقدمت إليه كـ(مثقف جنتلمان) وصافحته مودعاً وأنا أُثني على مطبوعاته الموسومة المميزة ثم وليت الأدبار لا ألوي على شيء!!