نظرًا للمشكلة المستفحلة حول قدرة المواطن ذي الدخل المحدود في تملك سكن، كان من الواضح أن أساس المشكلة هو الحصول على قطعة أرض، ومن ثم مشكلة تدبير باقي تكاليف البناء، ونتيجة لتفاقم مشكلة غلاء الأراضي، فقد طرح حلان محتملان، الأول هو تطبيق رسوم على الأراضي البيضاء، وهذا الاقتراح رفض من قبل وزارة البلديات، استنادًا إلى فتاوى ترى ألا يفرض على مالك أرض ما رسومًا بدون موافقته!! ولكن تلك الفتاوى لم تنظر في الأضرار الاقتصادية، والاجتماعية التي ستترتب على ذلك.
وأود هنا أن أؤكد على الضرر الاجتماعي، وذلك بسبب تأخر زواج الشباب، والشابات، نتيجة الصعوبة المالية التي يسببها غلاء العقار!!
وأسأل: هل فكّر المفتون في تبعات وضع أولادنا، وبناتنا، وهم يتجاوزون سن الثلاثين، وربما الأربعين بدون زواج؟ ولن أتحدث عن المشكلة الأخلاقية، التي قد تتبع ذلك!! دعونا للحظة نقبل بعدم جواز تطبيق رسوم على الأراضي البيضاء، ولكن ماذا عن زكاة الأراضي المخصصة للمتاجرة؟ وهو الحل الثاني المقترح؟؟
أتذكر أنني شاهدت مداخلة للشيخ القاضي، والمحامي عبد العزيز القاسم، يوضح من خلالها أن قرار تعطيل حكم الزكاة على الأراضي المخصصة للتجارة، قد تم في ظرف معين، وكان يفترض معاودة العمل بنظام الزكاة عليها، ولكن ذلك الأمر لم يتم.
شخصيًا كانت لي تجربة عملية في تطبيق ركن الزكاة في حالات تقل عن حالة زكاة الأراضي، سأسردها لكم، لكي أوضح أن تطبيق ركن الزكاة، بجانب أنه واجب ديني، فهو جزء من مسؤولية الحكومة، لإشعار الجميع بمسؤوليتها، وسيادتها:
- خلال عملي في وزارة المالية، كلفت بإدارة الإيرادات العامة لفترة، وكانت الزكاة بندًا ضمن إيرادات الحكومة، وكان الروتين المتبع أنه مع بداية فصل الشتاء تعين كل إمارة لجنة لتجميع الزكاة على المواشي المنتشرة في الصحارى، وكانت المحصلة النهائية لكل ذلك الجهد، هو أن اللجان تكتب تقريرها، بعد ثلاثة أشهر عمل، بأنها جمعت كذا رأس، استهلكت منها كذا رأس، خلال فترة عملها، والباقي نفقت!!
ولأنني كنت شابًا يافعًا فقد ذهبت إلى رئيس، واقترحت عليه أنه أرخص على الحكومة لو تركت ملاك المواشي يزكون بأنفسهم، وستوفر الحكومة تكاليف انتداب تلك اللجان، ولكنني أفهمت بأن الموضوع ليس ماديًا، ولكنه سيادي، لأن تحصيل الزكاة هو من مسؤولية ولي الأمر.
أنا أقبل ذلك التفسير في حالة زكاة المواشي، ولكن لماذا لا يطبق ذات التفسير على زكاة الأراضي، مع الفارق بأننا هنا سنحل مشكلة اقتصادية، لها تبعات اجتماعية مهمة؟!
أخيرًا هناك من يعترض على فرض رسوم، أو زكاة على الأراضي، تحت ذريعة أن أية زيادة في قيمة الأراضي ستمرر للمشترين، وهذا المنطق يخالف الواقع، حيث إن رفع أسعار الأراضي سيؤدي إلى انكماش حركة شرائها، في حين أن ملاك الأراضي سيضطرون إلى دفع المستحق من الزكاة سنويًا، ومهما كانت ثرواتهم، فإن عبء ذلك سيكون مكلفًا، ومزعجًا لهم، وسيؤدي ذلك على المدى الطويل إلى خفض قيمة الأراضي.
وخير دليل على ذلك، أنه لا يوجد في كل مدن العالم، المماثلة لمدننا الرئيسة، أراضٍ بيضاء، ضمن المخططات العمرانية، بحجم ما هو موجود داخل مدننا، وذلك لأن عبء الضريبة لديهم يجبرهم على البيع، وهو ما سيحدث لدينا، لمجرد تطبيقنا للواجب الديني.
mandeel@siig.com.sa