|
عندما تقع حالة انكماش اقتصادي غالباً ما تتجاوب الشركات من خلال الاستمرار في القيام بالأعمال نفسها وإنما بوتيرة أسرع وبواسطة عدد أشخاص أقل. ويُعتبَر هذا الأمر إيجابياً إلى حد ما، بما أنه يجبر الشركة على زيادة كفاءتها. إلا أنه في حالة انكماش طويل الأمد، كالذي نشهده حالياً، تستنفد الشركات في نهاية المطاف الأمور التي لا بد من تنظيمها.
أما الشركات الذكية فتعمد عند هذه الحالة إلى تغيير هدف تركيزها؛ فبدلاً من الاستماتة في زيادة الكفاءة تدرك هذه الشركات أن عليها أن تزيد فعاليتها، وتضع بالتالي افتراضات أساسية تحت مجهر التساؤلات: كيف ولِمَ تستأنف كل نشاط، ومن هم العملاء؟.. وتتعامل هذه الشركات مع جهود التخطيط على أنها فرص خلاقة للتحسُّن الفعلي، وتقوم بالتالي بتعيين فِرَق عمل محدودة الأعضاء ومحدّدة الأهداف لكل مشروع، وتحثها على اتخاذ قرارات جريئة. وبعبارة أخرى، تدعوها للتصرف كفرق ابتكار.
وأنا أعلم ذلك لأنه على امتداد 27 سنة، ترأست خلالها استوديو «زيبا» (Ziba)، تمكن الاستوديو من اجتياز ثلاث مراحل ركود كبيرة. وشكلت مراحل الركود هذه جميعها فترات ابتكار وإبداع استثنائييْن بالنسبة لنا ولعملائنا. وأعتبر في الواقع أن التقدم الهائل في معظمه الذي حققناه على صعيدي التكنولوجيا والتصميم خلال العقود القليلة الماضية كانت جذوره تعود إلى حالات الركود. ويُشار إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي وخصائص الويب 2.0 ظهرت بعد الانهيار الكبير لأسهم شركات الإنترنت في بداية هذه الألفية، كما أن الإنترنت بحد ذاته تبلور شكله خلال الركود في بداية التسعينيات.
وفيما يأتي الأسباب:
الشحّ يفرض تركيز الأهداف؛ فبدلاً من استكشاف جميع السبل واستشارة كل متعاونٍ لا بدّ من اتخاذ قرارات صعبة بشأن الموضع الذي لا بدّ من استثمار جهودنا فيه. ويترتب على ذلك ترك الأمور والإقدام على المخاطرة، وهما عملان غالباً ما نتجنبهما في زمن الوفرة.
الشحّ يمنحنا أيضاً مبرّر تنفيذ الأمور؛ فللجميع رأيه، وفي أوقات الوفرة الجميع يريد الانخراط في مجريات الأمور. والشحّ يمنحنا حرية القول «لكان من الجيد مراجعة الأمر مجدداً، إلا أننا لا نملك الأموال الكافية، بكل بساطة».
والواقع الأهم يتمثل في أن الشحّ يجبرنا على الإبداع بالفعل. وإذا ما توافر الوقت والمال الكافيان تمكنت أي شركة تتميز بالكفاءة من تكرير نجاح كانت حققته سابقاً، إلا أنه عندما تلغي محدودية الموارد إمكانية اللجوء إلى خيار الاختبار والتأكد من المصداقية يبقى الخيار الوحيد الآخر هو ابتكار وسيلة جديدة.
وقد تساعد هذه الأمور على توضيح ميزة مشتركة للشركات التي لا تتوقف فيها عجلة الابتكار: هي تتبنى مبدأ الشحّ في مسارها حتى في زمن الوفرة.
وفي استوديو «زيبا» تعلَّمنا أن ننظر إلى مراحل الركود على حقيقتها: إحدى أبرز فرص التعلُّم التي بإمكان الشركات المعتمدة على الابتكار أن تحظى بها.
(*) (سوهراب فاسوغي هو مؤسس ورئيس استوديو «زيبا» للتصميم، ومقره بورتلاند، أوريغون).