عند محاذاتك لجامع بريدة الكبير وولوجك مع الثنية المؤدية إلى قبة رشيد ستجد نفسك على مرمى حجر من موقع (مسجد ناصر بن سيف) ثاني مسجد أسس في بريدة وقد أزيل ضمن مشروع توسعة السوق المركزي عام 1402هـ عرف مسجد ناصر بحلقاته العلمية التي كانت من أظهر ملامح مدينة بريدة في الأربعينيات الهجرية من القرن المنصرم، وفي هذه الفترة كان الشيخ علي بن سليمان الضالع - يرحمه الله - يقيم في إحدى حجرات هذا المسجد مرابطاً مع جملة من الغرباء الذين قدموا لطلب العلم الشرعي على قاضي القصيم الشيخ عمر بن محمد بن سليم - يرحمه الله - وكي نعايش هذا المشهد استميح القارئ بأخذ مقطع زمني ممن عاصر تلك الحقبة وهو الشيخ الفرضي المؤرخ إبراهيم بن عبيد آل عبد المحسن - يرحمه الله - حيث يقول: (إن في هذا المسجد خمس حجرات يقيم فيها بعض الغرباء الدارسين ولا يزال الشيخ عمر في جد ونشاط وأوقاته عامرة بالذكر والحلق غدوة وعتمة وقد أقبل الناس إليه مهطعين وأصبح مأوى لكل طالب علم مستفيد وتضرب إليه أكباد الابل وامتلأت حجرات المسجد، فشاهدنا من التدريس ما لا تبلغه عبارة، فيا لذلك الزمان وما أحلاه وما أحسن ذلك الاجتماع) ولقد كان فكر الشيخ علي الضالع مسكوناً بهاجس البحث الذي لا يهدأ تفتيشاً عن مسألة وحلاً لمعضلة فتنامى حضوره في أوساط العلم فأصبحت العلاقة بين الشيخ ابن سليم وتلميذه النابه علاقة متميزة أهلته بأن يكون خليفة لشيخه في إمامة مسجد ناصر عام 1351هـ ومنذ أن ظللته أروقة هذا المسجد وهو ينهل من فيض العلوم ويتنقل بين الحلقات العلمية فأخذ عن الشيخ عبد العزيز العبادي والشيخ عبد الله بن حميد والشيخ صالح الخريصي يرحمهم الله، واستمر إماماً لمسجد ناصر مع قيامه بالتدريس والوعظ والإرشاد، وفي عام 1369هـ تولى إدارة مدرسة الشقة السفلى، ثم انتقل لمدرسة الشماسية ولقد وافق على إدارة المدرسة خشية من تكليفه بالقضاء إذ كان مؤهلاً لذلك غير أنه لا يرغب، ثم التحق بالمعهد العلمي ببريدة وبعد تخرجه يمم وجهه نحو الرياض حاملاً معه طموحه ليواصل مشروعه العلمي في كلية الشريعة وبعد تخرجه عين مدرساً في معهد بريدة العلمي وإماماً لمسجد يعرف باسمه في وسط بريدة.
إن من يتأمل سيرة الشيخ الضالع يلحظ عدة سمات تميز هذه الشخصية ومنها الاستعداد الفطري لطلب العلم فجميع أعماله تأرز إلى العلم والمعرفة وتفصح عن عزوف واضح عن اللهث وراء الماديات وكان لديه همة عالية في الطلب دون كلل أو ملل فقد واصل تعليمه رغم كبر سنه، إضافة إلى تواضعه وحسن خلقه ورفعة شمائله وسجاياه النبيلة. يقول عنه رفيق دربه الشيخ المؤرخ إبراهيم العبيد - يرحمه الله -: (إنه كان رجلاً اجتماعياً يحب المذاكرة والبحث وكان مرحاً مع رزانة وهيبة ومن المؤازرين للآمرين بالمعروف وكان يغشى الناس في مجامعهم ولا تأخذه في الله لومة لائم) ولقد تخرج على يديه كوكبة من المشايخ ومن أبرزهم (الشيخ عبد الرحمن العجلان رئيس محاكم القصيم سابقاً والشيخ عبد العزيز العقل والدكتور صالح المحيميد رئيس محاكم المدينة سابقاً والشيخ عبد العزيز الحميد رئيس محاكم تبوك والدكتور حسن الهويمل).
في عام 1397هـ وافاه الأجل المحتوم في حادث سير وقد كان خبر الوفاة بمثابة الصدمة بالنسبة لأهله وطلابه وأحبابه، رحم الله شيخنا علي الضالع، وبرد الله مضجعه، وهتنت عليه سحائب العفو والغفران وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
عبد الملك بن عبد الوهاب البريدي - مدير دار النفائس والمخطوطات ببريدة