روى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، أنه حضر مناسبةً في جنوب المملكة، قائلاً: “وكان عشرات الألوف من المواطنين يُؤدّون رقصة العرضة، مُدجّجين بالسلاح، وبكامل أسلحتهم، كما تقتضي تقاليد الفروسية، وقد شاركتُ، كما هي عادتنا، هؤلاء الفرسان رقصتهم وفرحتهم”. يتوقّف عبد الله بن عبد العزيز في روايته، للحظات، ثم يكشف عن حوار دار بينه وبين سفير دولة غربية، فيقول:
“عند نهاية الحفل، سألني أحد السفراء الغربيين كيف سمحتُ لنفسي أن أدخل وسط هؤلاء الرجال، بدون حراسة”. كان ردّ عبد الله بن عبد العزيز على سؤال السفير، مُوجِزا إيمانه بالله، وبطبيعة علاقته بأبناء شعبه:
“فقلت له: إن ما يربطني بهؤلاء المواطنين يزيل عني كل شعور بالتوجّس أو الرهبة ثم إنني أؤمن إيماناً عميقاً بأن أيّا منّا لن يمضي لآخرته قبل حلول أجله”.
مَنْ عرف الملك عبد الله بن عبد العزيز، أدرك أنه عظيم التفاؤل بحقيقة الإنسان، يُروّج أن الأولى بكل عاقل رشيد أن يفتح عينيه على نواحي الخير في الإنسان.
وعندما يُعلن، من جديد، قبيل أيام، قائلاً:
“بدون الشعب السعودي، أنا لا شيء.. أنا فردٌ منكم وإليكم، وأستعين بالله ثم بكم”..
فإنما يُعلن، من جديد، الولع بالوطن وأهله، الذي تنطق به كلماته أيضاً في المحبة المَصوغة، برقةٍ وصدق، لكل مواطن.
كلّ ما يقوله الملك عبد الله، أو يفعله، ينبع من لبّ رؤية كبيرة.
وللملك عبد الله هذه الرؤية إلى الذات، وإلى الحياة.
اللبّ هو المعنى، طبعاً، ولكن بمعنى التجربة الإنسانية.
اللبّ هو نوعٌ من الزمن الذي يتنفّس في كلمات الملك عبد الله، الزمن الوقتي، والزمن الحضاري.
اللبّ هو المسافات الروحية والحسية والاجتماعية والرؤيوية، التي بلغها الملك عبد الله، ومشاها، وقطعها، وتجاوزها.
نحن أمام فكر غنيٍّ مختلف، يتبلور حيّاً بكلمات تخصّه حقيقةٌ مُتأصّلةٌ في داخل أعماق هذا الفكر.
حبّ الوطن وأهله يبدأ ولا ينتهي في داخل الملك عبد الله، لتبقى بصْمته في الذهن، وفي القلب، وفي حياة مواطنيه.
أن يرتاح بالصدق حاكمٌ ما، لا يأتي قولاً، بل عملاً، في هذا العصر، أمرٌ نادرٌ، ومُستغرب.
لكنه عبد الله بن عبد العزيز، الذي يعتبر نفسه واحداً لا يختلف عن أيّ آخر من مواطنيه.
Zuhdi.alfateh@gmail.com