دعونا نبكي عليهم، وعنهم، دعونا نبكي نيابة عن كل حياة يسرقها النظام السوري، دعونا نبكي، وإن لم يعد لدينا من دموع نذرفها على الشهداء في سورية. أحدهم صرخ قبل أن تقتله بربرية بشار الأسد: “أنا لستُ رقما؟”، لكنه مات قبل أن يتسنى له البكاء.
الشعب السوري جميعه هو الجروح الباكية.. أما القتلة المتوحشون، فلا، لن يبقى لهم زرعٌ يزرعونه، لن يبقى لهم قبور تُواريهم، لن يبقى لهم حصاد، السقوف التي تؤويهم سيهرم خشبها، لتسقط ذليلة، مثل يوم مهيض، لن يكون له مثيل في الأرض، وستلعنهم شموس الأرض، والحلم سيُجافيهم، وسيقضّ مضاجعهم (ولا مضاجع ستبقى لهم) كابوس فوق كابوس، إلى أن تنفتح الكوابيس على آياتها، وستقضّهم سحناتهم في المرايا والصور.. ستنهشهم وحوش البراري في عراء الدم، لن يكون لهم مكان في الأرض، سيفقأون أعينهم بأظافرهم، لكي لا يروا ما ستؤول إليه أحوال وجوههم الجهيمة، سيقتلعون قلوبهم من الصدور، لكي لا يعود يرتجف فيها نبض، سيتيهون في الأراضي المحروقة، ولن تسعفهم بوصلة ولا اتجاه، سيُُقطّعون أرجلهم بمناجل الحصاد، لكي لا تأخذهم إلى مزيد من التيه والهوان، سيأكلهم دودُ الواقع ودودُ الخيال، سيكونون شهودا على دودٍ يلتهمهم، ويلتهم أهلهم وأعوانهم ومُسعفيهم، ستحطّ هامات الشهداء وطيورها على مقربة من رؤوسهم، لتقرأ عليها عطشها الأبدي إلى الحرية، وتقضّ أشباح لياليهم، إن كلّ جنون سيرتكبونه سيدفعون أثمانه غالياً.
أين يختبئون، وإلى أين يهربون؟! في النهاية، لا بد من نهاية.. الليل الطويل مهما نأى عن فجره، فسيكون له فجر، من يقف منهم على جبل من دم، سيكون مُضرّجا بالدم، من يبحث عن الدم في الأودية، ستجرفه الأودية.
لا أحد، لا أحد على الإطلاق، استطاع أن يفلت من المصائر، لن ينجو أحد من سِفْر الدم، فالدم يشرب الدم، ولابد من أن يرتوي من مُريقيه.
أقول للمُراقة دماؤهم: إن النهايات قد صارت إلى أوائلها الأخيرة، فاصبروا، الهتاف الذي يصعّد إلى الأعالي، عابراً الفيافي والخيال والبساتين والغابات، لا بد من أن يجد حجراً يسند إليه رأسه، فما استطاعت ذئاب مُتكبرة أن تُكابر في غابة، ما استطاع دمٌ أن يُغلق بوابة الأفق.
فإلى أين تسيل، أيها الدم، إلى أين؟ ثم، بعد عمر، أيا يكن هذا العمر، ستخرّ على ركبتيك، مثلما خرّت بربرية مُلهميك وسابقيك، وكان ركوعهم مُدوّياً، عظيماً. ستكون أياماً شاقة، يلعق فيها الدم ليشفى، ولا يعثر على يابسة لينشب فيها قدميه. فاصبر قليلاً، أيها الشهيد.
أما أنتَ، أيها القاتل، أيها القتلة، فلن تكون ثمة يابسة، لن يكون ثمة برّ، وليس من سفينٍ تحطّ في أواخر الطوفان، لا نافذة سيخرج منها غراب ولا حمامة، ولن يكون لك، أيها القاتل، غصن زيتون أخضر لتخرج ورهطك إلى الأرض الموعودة.. الماضي سيثأر للماضي، والمستقبل سيثأر للمستقبل، الذي، لابد، قريب.
Zuhdi.alfateh@gmail.com