البخلُ خلافُ الكرم، والبخيلُ هو صاحب البخل وجمعه بخَّلٌ وبخَّالٌ، والمبخلة هو: السبب الذي يحمل على البخل لحديث (إنَّ الولد مبخلةٌ مجبنةٌ محزنةٌ) صححه الألباني في صحيح الجامع (1986) أي أنَّه مظنة لأنْ يحمل أبويه على الجبن والجهل والبخل ويدعوهما إلى ذلك. قال الجرجاني: البخل هو: المنع من مال نفسه. والشح هو: بخل الرجل من مال غيره. وقيل: البخل ترك الإيثار عند الحاجة. التعريفات ص (42/43). وقال القرطبي: البخل المذموم في الشرع: هو امتناع المرء أداء ما أوجب الله تعالى عليه. تفسير القرطبي (5/126). وقال الجاحظ: (البخل خلقٌ مكروهٌ من جميع الناس، إلا أنَّه من النساء أقلُّ كراهية، بل قد يستحبُّ من النساء البخل (والمقصود البخل بمال أزواجهن إلا أنْ يؤذنَّ بالجود) وأما سائر الناس فإنَّ البخل يشينهم، وخاصة الملوك والعظماء،فإنَّ البخل أبغضُ منهم أكثرُ مما هو أبغضُ من الرعيَّة والعوام، ويقدح في ملكهم، لأنَّه يقطع الأطماع منهم ويبغِّضهم إلى رعيتهم)تهذيب الأخلاق ص 33 والبخل نوعان: الأول: بخلٌ بمقتنيات نفسه. الثاني: بخلٌ بمقتنيات غيره، وهو أكثرهم ذمَّاً، قال تعالى: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ } (37) سورة النساء37، الحديد24 قال الماوردي: (قد يحدث عن البخل من الأخلاق المذمومة أربعة أخلاقٍ ناهيك بها ذمَّاً وهي: الحرص والشَّرَه وسوء الظن ومنع الحقوق.... وإذا آل البخيل إلى ما وصفنا من هذه الأخلاق المذمومة والشيم اللئيمة لم يبق معه خير موجود ولا صلاح مأمول) أدب الدنيا والدين (228). قال ابن قدامة المقدسي: (اعلم أنَّ السخاء والبخل درجات، فأرفع درجات السخاء الإيثار: وهو أنْ تجود بالمال مع الحاجة إليه. وأشدُّ درجات البخل: أنْ يبخل الإنسان على نفسه مع الحاجة إليه، فكم من بخيلٍ يمسك المال ويحرص فلا يتداوى، ويشتهي الشهوة فيمنعها منه البخل، فكم بين من بخل على نفسه مع الحاجة وبين من يؤثر على نفسه مع الحاجة فالأخلاق عطايا يضعها الله حيث يشاء) مختصر منهاج القاصدين (205-206) مختصرا. ومن الآيات الدالة على ذم البخل قوله تعالى:(ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السموات والأرض والله بما تعملون خبير) آل عمران 180،وقال تعالى{هَاأَنتُمْ هَؤُلَاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} (38) سورة محمد 38.ولقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلاً للبخيل والمنفق، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثلُ البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديدٍ من ثديهما إلى تراقيهما، فأما المنفق فلا ينفق إلا سبغت، أو وفرت على جلده حتى تخفي بنانه وتعفو أثره. وأما البخيل فلا يريد أنْ ينفق شيئاً إلا لزقت كل حلقة مكانها، فهو يوسعها فلا تتسع) أخرجه البخاري الفتح (3-1443) واللفظ له ومسلم (1021) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (شر ما في رجل: شحٌّ هالع، وجبنٌ خالع) صححه الألباني في السلسة الصحيحة وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يجتمع غبارٌ في سبيل الله ودخان جهنم في جوف عبدٍ أبداً، ولا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبدٍ أبداً) أخرجه النسائي (6/13) واللفظ له، وأحمد (2/256) قال أحمد شاكر: إسناده صحيح .وقال علي رضي الله عنه: (البخل جلباب المسكنة، وربما دخل السخي بسخائه الجنة) الآداب الشرعية (3/312)، وقالت أمُّ البنين أخت عمر بن عبدالعزيز: (أفٍّ للبخيل، لو كان البخل قميصاً ما لبسته، ولو كان طريقاً ما سلكته) وقال أبو حنيفة:(لا أرى أنْ أعدِّل بخيلاً، لأنَّ البخل يحمله على الاستقصاء فيأخذ فوق حقه خيفة أنْ يغبن، فمن كان هكذا لا يكون مأمون الأمانة) وقال بشر الحافي:(لا تُزوّج البخيل ولا تعامله، ما أقبح القارئ أنْ يكون بخيلاً) وقال أيضاً: (النظر إلى البخيل يُقسِّي القلب، ولقاء البخلاء كربٌ على قلوب المؤمنين) وقال ابن المعتز:(بشِّر مال البخيل بحادثٍ أو وارثٍ) الإحياء (3/255-256) وقال الأصمعي:(سمعت أعربياً وقد وصف رجلاً فقال: لقد صغر فلان في عيني لعظم الدنيا في عينه، وكأنما يرى السائل ملك الموت إذا أتاه) الآداب الشرعية (3/313). وقال أبو إسحاق الموصلي:
وآمرةٍ بالبخل قلتُ لها اقصـري
فليس إلى ما تأمـرين سبيلُ
أرى الناس خِلاَّن الجواد ولا أرى
بخيلاً لـه في العالمين خليـلُ
وإني رأيت البخل يُزري بأهلـه
فأكرمتُ نفسي أنْ يقال بخيلُ
ومن خير حالات الفتى لو علمته
إذا نال شيئاً أنْ يكـون يُنيلُ
عطائي عطاء المكثرين تكرُّماً
ومالي كما قد تعلمين قليـلُ
وكيف أخافُ الفقر أو أُحرم الغنى
ورأي أمير المؤمنين جليـلُ
ومن مضار البخل أنَّ صاحبه محرومٌ في الدنيا مؤاخذٌ في الآخرة، وأنَّه أصلٌ لنقائص كثيرةٍ ويدعو لخصالٍ ذميمةٍ، وأنَّه دليلٌ على قلة العقل وسوء التدبير، وأنَّه دليلٌ على سوء الظن بالله، وأنَّه لا يجتمع مع الإيمان، وأنَّ صاحبه لا يكون سيَّداً، وها قد علمتَ ما في البخل من مضارٍ متعددةٍ فاحرص أنْ لا تكون فيك هذه الخصلة الذميمة. اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك أنْ أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر.
- خطيب جامع بلدة الداخلة (سدير)