تقول اليابانية أوداجيما، المتزوجة منذ 36 سنة، وهي تلخص علاقتها بزوجها بأنها تقوم على ثقافة تتردد فيها كلمة (أرز) أكثر من كلمة (حب)، وترى بأنهما زوجان جيدان لا يتذمران، ولا يخادعان. وتضيف: لكن هناك شيء أتمنى من أعماق قلبي أن يتغيّر في زوجي، فهو لا يقول لي (أحبك) قط، الرجال اليابانيون نادراً ما ينطقون بهذه العبارة!
والسعوديون، هل ينطقونها، سواء في الجيل القديم اللاهث خلف لقمة العيش، أو جيل النوم في الاستراحات في عطل الأسبوع؟ وإذا كان هناك من ينافس الرجل الياباني في جفاف مشاعره والاحتفاظ بها في جوفه، فهو الرجل السعودي، الذي ينقسم إلى أقسام ثلاثة، قسم يظهر خلاف ما يبطن تجاه زوجته، أي حتى لو كان يحبها فهو لا يصرّح لأسبابه الخاصة، إما لأنه يرى أنها ستتكبر عليه وتستعبده، وربما تذله عند الأزمات، أو ممن يرى أن ذلك من قبيل العيب، الذي تربى على ألا يلفظ كلمة (أحبك).
القسم الثاني هو ممن لا يحبها فعلاً، ولا يعاملها معاملة حسنة، بل يتحيّن كل شاردة وواردة لكي يقمعها، ولعل أقسى القمع الإنساني في العصر الحديث هو الإيذاء اللفظي، وكبح طموح الزوجة أو اعتزازها بنفسها كأنثى، فتبدو بعد سنوات من العشرة شاحبة، مشوّهة الطباع، سيئة السلوك.
القسم الثالث هو ممن يصعب عليه التعبير لفظاً، وكأنما كلمة (أحبك) كارثة ينتهي بها العالم، فهي أثقل عليه من حمل الكرة الأرضية على ظهره، فتجده يلبي معظم طلبات زوجته مادياً، لكنها يبخل بكلمة خفيفة اللفظ، ثقيلة التأثير.
هذه الجمعية اليابانية التي تفننت حتى في صنع سجادة العشاق، وحددت موضع موطئ القدمين للزوجين، بحثاً عن العناق المفقود، هي جمعية تلمست احتياجات النساء اليابانيات، فما الذي يضير أن توجد جمعية سعودية تشبه ذلك، تبحث عن أزمات منتصف العمر لدى الأزواج، فقدان الحب أو انحساره، الحرمان العاطفي الذي تعاني من الزوجات والأزواج على حد سواء، إلى درجة أن نسبة كبيرة من حالات الطلاق في السعودية تتعلَّق بأعمار متقدّمة، وكأنما تذكّر الزوج أو الزوجة أنه يفتقد العاطفة مع شريكة بعد ثلاثين عاماً أو أربعين عاماً من العشرة!
أعتقد أننا أولى بمثل هذه الجمعية، وليس اليابانيون وحدهم، فكما تسمع اليابانيات كلمة (الأرز) من أزواجهن، وخلال حوارهم اليومي، أكثر من كلمة (أحبك)، فأكاد أجزم أن السعوديات يسمعن عبارة (وين الغدا) يومياً أكثر من كلمة (أحبك) أو غيرها من الكلمات التي تذكي العاطفة وتغذيها، وتديم الألفة بين الزوجين!
فالزواج المستمر بلا عاطفة، أو بتعنيف لفظي مستمر، وخلافات شبه يومية، حتى وإن استمر عشرات السنوات، فهو سينتهي حتماً، وإن لم ينته، فهو قد يقود إلى بحث الزوجات عن غرباء بهدف ملء فراغهن العاطفي، حتى وإن لم يلتقين بهم، لكنهن يبحثن عن دفء العاطفة وصدقها وأمان بيت الزوجية.