لقد اهتزت مواقع الثقل المالي الرئيسية التي كانت تسيطر على الحركة العالمية وتصدعت تلك الحصون الذي احتمى خلف جدرانها فئات استغلالية متمثلة في الشركات العملاقة المتعددة الجنسيات والتي لم يكن لديها أي هدف سوى تحقيق الأرباح الفلكية بغض النظر عن مصلحة الشعوب أو الدول.
لقد بدأ الزلزال في أمريكا وقد شاهدنا مئات البنوك تعلن إفلاسها ومعها عدد كبير من الشركات العملاقة وهذا أمر طبيعي
ومنطقي لأن الناتج القومي الإجمالي الأمريكي لم يحقق فائضا يغطي المديونية الأمريكية حيث نجد أن ذلك الناتج القومي الإجمالي قد بلغ ما يقرب من (13) تريليون دولارا يقابله مديونية بلغت (16) تريليون دولاراً ونيف وأن هذه الحالة تذكرنا بالأزمة المالية العالمية التي بدأت عام (1929) واستمرت حتى عام 1933 والتي تركت آثاراً بالغة الخطورة على الحركة المالية العالمية في حينها.
إن الوضع الحالي المشبه للحالة المذكورة قد أدى إلى ارتفاع نسبة البطالة بين السكان ويكفي الإشارة إلى الاحتجاجات التي تجتاح المدن الأمريكية التي تطالب الحكومة بوضع حلول للمشاكل المالية التي أصابت ما يقرب من خمسين مليون والذين أصبحوا يعيشون الآن تحت خط الفقر وهذا ما نراه اليوم في أوروبا إذ إن الأزمة المالية الأمريكية قد تدحرجت ووصلت إلى أوروبا التي تشهد هذه الأيام تدهوراً بالغ الخطورة في الحياة المالية والاقتصادية في عدد كبير من دول الاتحاد الأوروبي، تلك الدول التي تشهد انهيارات اقتصادية في عدد من دول الاتحاد الأوروبي والتي وصلت نسبة النمو فيها إلى (أقل من نصف في المئة) وليس هذا فقط فإن أزمة الديون السيادية تعتبر أكبر تهديد لليورو ودوله.
هذه اليونان تواجه ديوناً بلغت 200 مليار يورو وهي تطالب دول الاتحاد بمساعدتها رغم أن تلك الدول لديها مشاكلها المالية أيضاً علاوة على مشاكل البطالة التي وصلت في انجلترا إلى مليون عاطل عن العمل وبالطبع فقد انعكست تلك الأزمة المالية على البنوك في أوروبا والتي بلغت حداً أقل ما يمكن أن يوصف به بأنه قد لامس حد الخطر وهذا بالطبع سيترك أثره على الاقتصاد الأمريكي ويزيد من حدة الأزمة المالية الأمريكية علماً أن هذه القارة الأوروبية تفاوض الصين للحصول على قروض لحل أزمتها الخانقة.
أمام هذا الخطر المحدق الذي يحاصر اليورو نجد أن عدداً كبيراً من المستثمرين في معدن الذهب قد بدأوا بالهروب من الاستثمار باليورو إلى الاستثمار بعملة أخرى خوفاً من انهيار اليورو الذي يلوح بالأفق وأن مثل هذه المخاوف هي مخاوف مشروعة إذ أننا نجد أن ديون إيطاليا قد بلغت (1/9) تريليون يورو فماذا يعني هذا؟ بالطبع لا يعني أي شيء غير وقوف إيطاليا على حافة الإفلاس كما هو الحال بالنسبة لليونان والبرتغال وقد انضمت إسبانيا إلى ركب الدول المهددة بالانهيار المالي علماً أن الاقتصاد الإسباني يعادل مجموع ما نطلق عليه الاقتصاد العربي ومع ذلك فإن الأزمة المالية قد تركت آثارها في هذا البلد الذي بدأ المجتمع فيه يطالب الدولة بإيجاد الحلول للبطالة والتي اتسع نطاقها ليشمل قطاعات واسعة من المجتمع.
ببساطة إن يورو أوروبا وبعد تداوله لمدة تزيد عن إحدى عشرة سنة، يواجه اليوم أزمة خطرة ويتطلب وضع الإجراءات العاجلة التي تؤدي إلى عدم انهيار اليورو مع الأخذ بعين الاعتبار أن الديون الأوروبية قد وصلت إلى نقطة اللاعودة التي تشير إلى عدم تمكن هذه الدول من سداد ديونها السيادية وخاصة عندما نعرف أن الناتج القومي الإجمالي لمعظمها لا يغطي ديونها المستحقة السداد.
وإذا أمعنا النظر في المعطيات المتوفرة على الساحة الأوروبية ونظرنا نظرة فاحصة تحليلية لتلك المعطيات نرى أن مستقبل اليورو هو مستقبل قاتم غامض مجهول تشوبه الكثير من المخاطر الحقيقية التي تجعل من المجتمعات الأوروبية مجتمعات مهددة بارتفاع البطالة إلى نسب لا يمكن التنبؤ بنتائجها والتي لا تستطيع دول اليورو إيجاد الحلول الناجعة لها الأمر الذي يؤدي إلى انهيار اليورو كعملة رئيسة متداولة موثوق بها ويمكن القول أن ما يعزز هذا الرأي أن الاحتجاجات على الوضع الاقتصادي قد اندلعت في 60 مدينة إيطالية واتسعت تلك الاحتجاجات لتشمل بلجيكا وألمانيا وبولندا ونجد أن المحصلة لهذه الحالة هي أن أوروبا ترزح الآن تحت أزمة ثقة ائتمانية وأن الدول الأوروبية تحاول إيجاد حل لذلك دون وجود أمل بالوصول إلى نتائج مرضية قبل سنوات عدة.