رغم الكم الهائل من عدد القنوات الفضائية والإذاعية، والعدد الكبير جداً من الصحف الورقية والإلكترونية، إلا أنني لم أجد حتى الآن أي عمل منظم لأجل المرأة، هذا الإنسان الذي تتكون منه المجتمعات ثم تُعزل بوعي أو دون وعي، بإصرار أو بالارتجال.. ما ينبغي أن نصارح به أنفسنا أولاً: هل المرأة فعلا لا زالت تنقصها كثير من الحقوق؟ لا أريد إجابة -تقليدية- بالقول «إن الإسلام منح المرأة كل حقوقها ونحن مسلمين»، أجل الإسلام منح المرأة حقوقاً مهضومة. لكن السؤال الأهم، والذي يحتاج إلى إجابة مُركزة، هل تم تطبيق ما ورد فعلياً من تعاليم دينية لم تبخس حق المرأة؟ هل تم تطبيق وتقليد سلوك رسولنا الكريم وصحابته -رضي الله عنم أجمعين- مع النساء؟ أم أننا ننشط في الترديد الإنشائي وحينما يأتي وقت التطبيق نعجز، لأننا نعيش داخل ثقافة تنتقص المرأة، وتنتقص قيمتها، وتنتقص قدراتها!
بودي أن أطرح سؤالاً على بعض «المتطرفين» من الجنسين، من المنادين بعزل المرأة: ماذا سيكون موقفهم لو أنهم عاشوا في عصر الرسول عليه السلام، وقال لهم: «إنما النساء شقائق الرجال» فهل سيقبلون وسيعتبرونها نداً لهم، أم أنهم سيخالفونه؟ وماذا لو عاش هؤلاء في عهد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ورأوا الصحابية الجليلة الشفاء بنت عبدالله القرشي، وهي قد تولت جهاز «الحسبة» الذي أنشئ في عهد عمر لمراقبة الأسواق من الغش والتدليس، هل كانوا سيحتسبون عليه، أم سيخرجون على ولايته؟ وقبل أن انتقل من هذه الفقرة، أؤكد لكم أنني سأجد من سيرد وينسخ لي (قص ولصق) تفسيرات كثيرة تُكذب هذه الأحاديث وغيرها من الأحاديث التي تنصف المرأة، حتى أنني في بحثي لسنوات طويلة لم أجد نصاً فيه إنصاف للمرأة، إلا وتلحقه مخارج فقهية «ذكورية» تُكذبها وتُنفيها جملة وتفصيلاً، حتى أنه لم يتبقَ لهم إلا حديث (لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) يلوحون به في كل مناسبة، وليتهم أخذوه بتفسيره الحقيقي، حتى التفسير قاموا بتغطيته لأنه يتعارض ومصالحهم «الذكورية»، وحتى الآيات القرآنية، الواضحة في تفسيرها وشكلها، تم التلاعب بتوظيفها بما يتوافق مع مصالهم «الذكورية» وإن أتينا بتفسير مختلف قالوا: هذا غير موثق، وإن اجتهدنا قالوا: أنتم لستم من أهل العلم، وإن استندنا لأحاديث نبوية قالوا: غير صحيحة! وإن لم نستند على نصوص دينية قالوا: تغريبيون وفسقة وعلمانيون وليبراليون!
إن هذا كله، وما يترتب عليه من مُخرجات لتلك الأفكار، من عنف لفظي أو سلوكي، أو تأليب وتحريض، كما هو حاصل اليوم مع فعاليات معرض الكتاب، وقبله من مناسبات، وما سيأتي بعده، كل هذا يدخل في (الوعي) لأني وبمتابعة دقيقة حينما أجد فئة متشددة وإن كانت قليلة، لكنها «مُحرضة» وتكسب جماهير عريضة، وهناك منابر لبث هذه المُخرجات، الوضع كل يوم يتأزم، والتطرف يشتد فكلما وجدنا تطرفا دينيا نجد في مقابله تطرفا في الناحية الأخرى، التي لا ترى بأساً من التعرض للدين ورموزه، والانحلال بكل أشكاله!
إننا نعيش داخل أزمة فكرية، أداتها لدى كل المتحاربين هي المرأة، التي دخلت وسط «فكي» نقيض، فإن أرادت أن تنجو بنفسها من المتشددين فليس لها إلا الضفة الأخرى، والعكس، وأنا ومن مثلي وبكل بساطة -أمهات- ومن حقنا أن نخاف على بناتنا وأبنائنا من هذه الفِرق التي تستخدم المرأة كورقة ضاغطة على الطرف الآخر، أنا كأم أحاول كل يوم أن أحاور ابنتي خوفاً عليها من كل هؤلاء، أن تنجذب لأحد أفكارهم، من حقي ومن حق كل أم أن أبعد ابنتي وابني عن كل فكرة مسمومة، لكن كيف: ونحن في دوامة إما أن تكون مع هذا أو ذاك، والإقصاء سمة الطرفين؟
إن هذا الفكر هو مسؤولية وطنية، حكومية وفردية، هذه المسؤولية منبرها الأول هو الإعلام، بكل مؤسساته وخصوصاً «الإنترنت» وتحديداً مواقع التواصل الاجتماعي، ولا بد أن نشترك جميعاً لطرح الحلول، فماذا لو تم عمل حملة إعلامية منظمة في كل المنابر تحدد حقوق المرأة دون وصاية تيار فكري على آخر، ودون اجتهادات تستند على أعراف وتقاليد -بالية- تُنفر، أو أطروحات -تُفسد- نريد طرحاً واعياً من أجل المرأة، دون وصاية أحد، هذا إن أردنا أن ننقذ أجيالنا من التسمم الفكري، والذي بانت نتائجه ولا تحتاج إلى سرد.
www.salmogren.net