أعلنت وزارة التجارة عبر موقعها عن السماح باستيراد مادة الاسمنت وأوضحت بأنه لا يوجد أي عائق أو مانع بالوقت الحالي يحول دون ذلك وكانت الوزارة في وقت سابق قد واجهت شح المعروض من هذه السلعة الأساسية بكثير من الحزم عبر منع التصدير للمنتج محليا وعاقبت الكثير من المتلاعبين بالسوق وقد كتبت مقالا سابقا عندما قررت الوزارة وقف تصدير الاسمنت طرحت فيه أن فتح الاستيراد أجدى من وقف التصدير، وإذا ما قسنا القرار بفتح الاستيراد حاليا بباقي الإجراءات التي تم اتخاذها فهو يعد الأهم والمستجد من بين إجراءات الوزارة فمشكلة الاسمنت مزمنة من سنوات واتبعت حلولا عديدة دون أن تلغي تكرار المشكلة سنويا
إلا أن كسر المنافسة الاحتكارية من خلال السماح باستيراد الاسمنت والتي ستكون بالتأكيد عبر ضوابط معينة تأخذ بعين الاعتبار الجودة والكمية الملائمة لضبط السوق واستقراره ودونما أضرار بالمصنعين المحللين هو الحل الأفضل لتلبية حاجة السوق ومنع التلاعب فيه من أي طرف كان، فحجم المشاريع الحكومية والقطاع الخاص كبيرة جدا وتحتاج إلى توفر المواد الأساسية لإنجازها بكميات تيسر إنجاز المشاريع وتلبية حاجة السوق دون أي تلاعب أو رفع للأسعار مما يعيق النشاط الاقتصادي لأن تعطيل المشاريع أو تأخر إنجازها له آثار سلبية على النمو الاقتصادي وخطط التنمية.
مما يعني أنه لابد من التحرك دائما بمرونة تمنع أي عوائق أمام المقاولين والجداول الزمنية لإنجاز المشاريع فلا يمكن تعطيل خطط التنمية أو مشاريع القطاع الخاص بسبب إرباك سواء المنتجين أو الموزعين لأي مادة رئيسية مهما كانت مبرراتهم أو كان لهذه الصناعة لمحلية ميزات خاصة بها تهدف لدعم المستثمرين فيها محليا.
فالتنافسية الاحتكارية لا تخدم الاقتصاد ولا حتى المصنعين على المدى الطويل فلابد من تقليص الريعية بالاقتصاد المحلي وتعويد المستثمرين على المنافسة المفتوحة لتحسين أدائهم وتخفيض تكاليف إنتاجهم بشكل ذاتي وليس من خلال الدعم، فصناعة الاسمنت تعتمد على دعم حكومي كبير ولدينا المادة الخام متوفرة بكميات كبيرة وتقوم شركة أرامكو بتوفير الوقود اللازم لتشغيل المصانع أيضا وإلى الآن لم يشهد السوق استقرارًا مستمرًا ففي كل عام ومنذ انطلاقة المشاريع الحكومية بأحجام كبيرة منذ سنوات تتكرر أزمة الاسمنت ولابد في هذه الحالة عدم الارتهان إلى معالجة المشكلة ضمن إطارها الضيق أي من خلال الاعتماد على المنتج المحلي دائما ووضع الحلول وفق إطار الكميات المنتجة داخليا والنظر في أسباب عدم قدرة المصانع على استقرار السوق، كما أن المنتجين المحللين لن يستطيعوا التوسع إلى ما لانهاية بإنتاجهم فإذا زاد الإنتاج بنسب كبيرة وتراجع الطلب المحلي فجأة فسيتسبب ذلك بخسائر فادحة لهم بعد سنوات قد لا تكون بعيدة خصوصًا إذا انخفض حجم الإنفاق الحكومي، كما أن التوسع بالإنتاج المحلي فقط لأسباب ترتبط بمدة زمنية ليست بالطويلة سيزيد من إنفاق شركة أرامكو على زيادة تخصيص الوقود اللازم لصناعة الاسمنت والتي إذا تراجع الطلب عليها يعني وقفا لخطوط الإنتاج كما حدث بالماضي عند تراجع الطلب سابقا وهذا يعد خسارة لجميع الأطراف ذات العلاقة بهذه الصناعة وكذلك يعد استنزافا كبيرا للمادة الخام محليا كما أن وقف التصدير لايعد في صالح الشركات المحلية لأنه يفقدها أسواقا لابد من تواجدها فيها كضمان لنشاطها مستقبلا.
قرار فتح الاستيراد للاسمنت موفق ونتمنى أن يكون سمة عامة لكل السلع بالسوق المحلي حتى يتغير أسلوب نظرة وتعامل المصنعين المحليين لآليات السوق ويقوموا بدراسة السوق والتعامل معه وفق معطيات المنافسة المفتوحة وتخفيض الدعم تدريجيا عنهم لبناء صناعة ترتكز على أسس المنافسة العالمية فالحمائية وأساليب الدعم الحكومية كانت دائما حلولا وقتية لدعم الصناعات في كل دول العالم الذي تحول للانفتاح التجاري الواسع للأسواق خصوصا للدول التي وقعت على الانضمام لمنظمة التجارة العالمية.