ذكّرني اجتماع السراي الكبير، الذي جمع قبل أيام، رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي ورؤساء الحكومات السابقين سليم الحص وعمر كرامي وفؤاد السنيورة بالشكل، باجتماع الرؤساء الأميركيين حين يدعو الأمر إلى مثل ذلك. تكون القضية وطنية تهم «الأمة الأميركية».
وفي السراي، كان الموضوع وطنياً بامتياز وإن كان يهم طائفة بعينها هي الطائفة الإسلامية من باب «تطوير دار الفتوى». وما يلفتني في هذا المقام، تداول السلطة في رئاسة الحكومة التي أوصلت مؤخراً ميقاتي إلى الرئاسة الثالثة (وإن كانت 14 آذار تعتبر أنه وصل بانقلاب دستوري بقيادة حزب الله) وقبله كان الرئيس سعد الحريري، وسبقهما كلٌ من السنيورة وكرامي والحص وغيرهم.
صورة جامعة لرؤساء تعاقبوا على رئاسة الحكومة ومعظمهم سكن في السراي الكبير، مقر رئاسة مجلس الوزراء في وسط بيروت، ومعظمهم يحلم أو يسعى للعودة إلى أن يكون «دولة الرئيس» الحالي لا السابق! لكن الفكرة التي خطرت لي، هي ما قرأه دولة الرؤساء وهم يدخلون السراي نفسها وهي: «لو دامت لغيرك لما وصلت إليك»!
جملة لا تحتاج للكثير من الشرح، قالها الإمام علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) وهو في عز حكمه. عرفها رفيق الحريري وكان يكررها. وعندما عمل فريقه على تجديد السراي حرص على أن تُوضع على بابه (هناك قصور حُكم قديمة كانت تزينها هذه الجملة). وعندما سُئل رئيس الحكومة السابق يومها عن قصده في ذلك، كان يردد: «لا شيء يدوم. ليس هناك (أنا أو لا أحد) أو (أنا للأبد)».
وكان محقاً. فرفيق الحريري نفسه، وفي الفترة الذهبية لحكمه، اضطر إلى ترك الحكم ليأتي سليم الحص بحكومته الشهيرة يومها بإرادة رئيس الجمهورية يومها إميل لحود. فما دامت لرفيق الحريري كما لم تدم لسليم الحص قبله.
وما سرى على رئيسي الحكومة، وعلى كل الرؤساء، سرى على رؤساء الجمهورية، ومجلس النواب، والوزراء والنواب وغيرهم. غير أن المهم هو أن تجد من يتعظ!
من يعتبر (من العِبرة) أن الرئاسة والمسؤولية لا تدومان، ومن يترك بصماته الإيجابية يحفظه التاريخ ومن يعمل أعمالاً مشينة تُحفظ له، وتتذكره الأجيال.
في العالم العربي، حصل أخيراً ما كان يحصل في لبنان، من «إمكانية لقاء رؤساء حاليين برؤساء سابقين». في تونس، صار الآن هناك رئيس حالي و»رئيس سابق». وربما يلتقي الرئيسان يوماً. أقول ربما. وفي ليبيا، صار هناك رئيس جديد، بعد «الزعيم الدائم»، الذي رحل في النهاية معمر القذافي. وفي مصر، سيأتي رئيس للجمهورية قد يجمعه لقاء بـ»الرئيس السابق». وفي اليمن سلّم «رئيس» نائبه ليصير رئيساً للجمهورية.
برأيي، الشعب العربي، كالشعب اللبناني، يريد أن يرى رئيساً «سابقاً».
يريد تداول السلطة ليتبيّن له الجيد من السيئ. إذا أحسَنَ رئيسٌ أو مسؤول، يُعاد انتخابه، وإذا أساء اختار الجمهور شخصاً آخر. لنعتَد على تداول السلطة كأوروبا والغرب، حتى إسرائيل قُربنا هنا. لا شيء يبقى «للأبد» ولا شخص لا يُستغنى عنه!
كم نحتاج إلى حكمة الإمام علي في هذه الأيام. وكم نحتاج إلى عمق فهم الرؤساء ورؤساء الحكومات والبرلمانات والمسؤولين إلى هذه الجملة الأساسية في الحكم والسياسة.
عند اجتماع رؤساء الحكومات السابقين في السراي قبل أيام، التقطت صورة لهم وهم يبتسمون. أعتقد أن «دولته» كذلك، كان يبتسم، حيث هو في دنيا الحق!