سبق وأن كتبت مقالاً عن القياس بعنوان «القياس في المقياس»، تطرقت فيه إلى أنه قد يكون هناك مبرر مقبول لتذمر كثير من الطلاب، وأولياء أمورهم مما يسمى باختبارات القياس التي فرضت في السنوات الأخيرة عليهم، وتحدد في الغالب مستقبل فلذات أكبادهم.
فالمقصود من هذه الاختبارات أن تصحح معايير قياس أخرى وهي اختبارات الثانوية العامة التي صرفت الدولة وتصرف جزءاً لا بأس به من الدخل القومي لتحسينها، ثم لا تشكل في نهاية الأمر إلا ثلاثين في المئة من معيار القبول في الجامعة وهي تستنزف ثلاث سنوات من الكد والتعب من عمر الطالب، بينما تحدد مصير الطالب اختبارات وقتية لا تتجاوز الساعتين. وقد استسلمت وزارة التربية والتعليم لهذا التسطيح لنتائجها بكل رضا وقبول، ولم تدافع حتى عن آليات تقييم التحصيل لديها، ناهيك عن القدرات، بالرغم من أن للوزارة لجاناً لاختيار الموهوبين، بل إن هناك جهازاً كاملاً يتبع لها لرعاية الموهوبين. فإذا كانت اختبارات القياس هي المعيار الذي لا يخطئ فلماذا لا تستبدل اختبارات الثانوية بالقياس ونختصر الموضوع؟ ومن منطق القياس ذاته فإن التعارض بين نتائج الثانوية العامة واختبارات القياس لا بد وأن يعكس عدم دقة أحدهما.
والحقيقة أن اختبارات القياس أصبحت مخرجاً لكثير من المؤسسات الحكومية غير التعليمية أيضاً التي استحسنت القذف بصداع فرز اختيار المتقدمين لها إلى المركز الوطني للقياس الذي ليس له اختصاصها مع وجود إدارة للموارد البشرية فيها، ويكون ذلك عادة من قبيل التملص من المسئولية بحيث يحصلون على «ولد يقرأ» حسب الاشتراط، مع التحوط بخطوات الاختيار النهائي للمتقدمين عبر لجان للمقابلات الشخصية تعيد قياس ما قاسه القياس بمعايير أخرى شخصانية بكل ما يحمله المعنى من عبارة لأن المقابلات الشخصية تحفل بعض الأحيان بأسئلة وتجاوزات سريالية.
و تعود فكرة القياس لأوائل القرن السابق في بداية تكوين الولايات المتحدة الأمريكية في فيدرالية واحدة، حيث سعت الحكومة الفيدرالية للتقريب بين نتائج قبول المدارس الثانوية في الولايات المختلفة المتباعدة، فأقرت ما يسمى «اختبارات القدرات الدراسية»Scholastic Aptitude Test (SAT). وقد دعم هذا التوجه نظرة تربوية ونفسية سائدة في ذلك الوقت تستند إلى أن الفوارق بين البشر والطلاب هي فوارق وراثية، وبيولوجية، أي أن الذكي ذكي بالفطرة ومثله الغبي، فظهرت أيضاً اختبارات الذكاء التي تستند لنظرة مشابهة كانت مقبولة آنذاك واستند إليها من رفضوا الاختلاط العنصري في المدارس الأمريكية. وقد ثبت خطأ هذه الفرضية، وثبت أن للبيئة تأثيراً كبيراً على قدرات الأفراد، وذكائهم، وأنه لا يوجد ذكاء واحد وشامل، بل لأن الذكاء مرتبط بالبيئة المحيطة. وتعرضت اختبارات القياس في الولايات المتحدة الأمريكية مؤخراً لكثير من النقد من قبل تربويين شككوا في المبالغة في مستوى دقتها، أو حتى قيمتها التربوية. فقد أثبتت دراسات حديثة أن عامل الارتباط Correlation بين نتائج الاختبارات والنجاح في الدراسة الجامعية، أو تحديد التخصصات الجامعية ضعيف جداً، إن وجد. يضاف لذلك عوامل أخرى غير علمية، وغير تحصيلية تدخل في تحديد الأداء فيها، منها: القدرة على تحمل ضغط الاختبارات stress factor، والمهارات الخاصة مثل الألفة familiarity والتدريب training، كما أنها لا تصلح لقياس مهارات مهمة أخرى مثل التأمل، أو التفكير النقدي، أو الإبداعي، أو القدرة على الكتابة والتعبير.
فلندع ذلك جانبًا، وننظر للموضوع من زاويته الأخرى، زاوية من يقييس لا من يقاس وما يقاس، فالفكرة في أذهان الناس أن اختبارات القياس هي في حد ذاتها صمام أمان للدقة والمعيارية، وهم لا يتصورون أن من يعدها بشر، أساتذة من جامعتنا متفاوتي المستوى فيهم الجيد وفيهم «المتوسط». والأسئلة ذاتها لم تحلل ولم تدرس بالشكل المطلوب. وعندما تصلك دعوة لمؤتمر دولي للقياس من «المركز الوطني القياس» فأنت حتما ستتوقع أن تكون على المقاس الذي يقاس، وأن تكون لغتها، سواء الإنجليزية أو العربية معيارية في حد ذاتها، وأن تكون مفاهيمها على أعلى درجات الصرامة العلمية والأكاديمية، فهذه مجالات تختبرها اختبارات القياس ذاتها، فهذه الدعوة التي لا تزيد عن صفحتين معظمها فقرات قصيرة أيضاً لا تليق بمستوى مركز القياس الوطني، وهي تعكس صورة المركز أكثر من أسئلة القواعد التي ترد عادة بطول سطر واحد في قائمة أسئلته التي وجهها للطلاب. لا سيما وأنه كتب في مقدمة المؤتمر ما يلي: «وقد وصل المركز إلى مستوى منافس عالميا».
استغربت حقيقة أن ترد في الدعوة عبارة مثل: وصل المركز......إلى مستوى منافس عالمياً من الاحترافية والشمول»، فكلمة «الاحترافية» professionalism عامية ومقابلها العلمي بالعربي هو «المهنية» والعبارة تستقيم أكثر لو كتبت «مستوى منافس من المهنية والشمولية»، وكذلك عبارة «التي تخدم التعليم و»مخرجاته»، بدلاً من «التعليم و«ناتجه»، أو «مردوده»، فلفظة «المخرجات» ترجمة حرفية لكلمة output الإنجليزية، وهي لفظة غير مستحبة، لأن المخرج هو ما يلفظه جسم ما. والعبارة الأصح هي «تحسين نتائج التعليم» وليس «خدمتها». وورود في أهداف المؤتمر عبارة: «إثراء الجانب العلمي في اختبارات القبول ومعاييره»، فكلمة معايير تتعلق هنا بالاختبارات، وعليه تستقيم العبارة إذا كتبت: «إثراء الجانب العلمي لمعايير اختبارات القبول» أو «إثراء معايير الجانب العلمي...»، وكلمة إثراء هي الأخرى ترجمة لكلمة enrich والإثراء في العربية يتعلق بالمال، وفي العربية تستخدم كلمات «دعم»، أو «تقوية»، أو «تحسين»، والعبارة في مجملها ضعيفة لأنها تفترض وجود جوانب أخرى غير علمية لاختبارات القبول!!. وفي الصفحة التالية ورد العنوان: «تأثير طبيعة الأسئلة في البناء والصدق»، فالصدق سمة الإنسان العاقل أما غير العاقل فيقال «مصداقية»، بحيث تكون العبارة: «تأثير طبيعة بنية ومصداقية الأسئلة». ويلي ذلك عنوان موضوع مستقل آخر ورد هكذا: «تصحيح الاختبارات وتحليلها»، والأصح هو: «تصحيح وتحليل الاختبارات». وفي اشتراطات قبول الأوراق (تسمى أبحاث وليس أوراق) ورد ما يلي: «على ألا تتجاوز الملخصات (400كلمة)»، ويفترض أن تكتب: على ألا يتجاوز الملخص (400 كلمة) لأن الأمر متعلق بملخص واحد. وكذلك: «في حال مشاركة أكثر من باحث لا بد وأن يلتزم واحد منهما بالحضور»، والأصح: «أن يلتزم أحدهم بالحضور» فأكثر من باحث لا يفترض التثنية إلا فيما ينص عليه. وسنكتفي باللغة العربية بهذا القدر وننتقل للغة الإنجليزية التي لم تكن أفضل حالاً من سابقتها.
ففي اشتراطات القبول وردت العبارة
papers...or presentations should serve the themes of the conference and in compliance with
والصحيح هو «and should comply»، أو « and be in compliance with. ويضاف لذلك الخطأ القواعدي في العبارة: «..printed in the conference proceeding» والصحيح هو «the conference AND apos;s proceedings». ومن الأخطاء الاصطلاحية: «The Research Committee assumes the right»، بدلاً من «retain or have the right». والعبارة «The Center wishes to spare no efforts» عوضاً عن «will spare no efforts». وعبارة:»The Center has decided a conference that will be held periodically» وبما أن المؤتمر ليس مجلة أو دورية علمية فالعبارة الصحيحة: «annually, once a year, or regularly . وسنكتفي بهذا القدر لأن هناك المزيد من الملاحظات التي لا يتسع لها المقال، وسنترك القارئ الكريم مع الفقرة التالية ليحكم على مستوى اللغة التي كتبت بها بنفسه:
«Enhancing constructive interaction between specialized centers and experts in the field of educational assessment is one of the best supports to furthering scientific research in the field. Hence, the International Conference for Assessment and Evaluation, which will be held from...to.., will be the first of a series of conferences.»
لا مجال لاستعراض كل الملاحظات، ولكن الأمل في زملائنا في القياس أن يقيسوا أنفسهم Periodically. والله الموفق.
latifmohammed@hotmail.comTwitter @drmalabdullatif