قبل مدة قريبة أعلن نائب رئيس مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية الأمير الدكتور تركي بن سعود أثناء مؤتمر للطاقة المتجددة بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن أن المملكة رصدت حوالي 24 مليار ريال لإجراء بحوث ودراسات في مجال الطاقة المتجددة خلال السنوات العشر القادمة.
أعلم أن الميزانيات التي تُرصد لتنفيذ المشاريع المستقبلية البعيدة لا يمكن التسليم بأنها ستُصرفْ بالفعل نظراً لما قد يحدث من ظروف مالية، لكنني أعتبر أن هذا الرقم مؤشر يؤخذ بجدية للدلالة على الأهمية التي أصبحت الطاقة المتجددة تحتلها في بلادنا.. بل إن الطاقة المتجددة هي محل اهتمام كل دول العالم، فهذه الطاقة تتميز عن معظم أنواع الطاقة التقليدية بأنها نظيفة ولا تنضب ويمكن الحصول عليها مباشرة من الطبيعة التي أودع فيها الله من الخيرات ما كان سيفي باحتياجات جميع البشر وكل المخلوقات بل ويفيض لو أن البشر كرسوا اهتمامهم للبحث والدراسة في مجالات السلام بدلاً من الحروب والتسلح.. ولا أدل على هذا من أن الكثير من الابتكارات والاكتشافات التي ننعم بها الآن، كالبنسلين والإنترنت وغيرهما، ماهي إلا من فائض ما أنتجته الأبحاث التي كانت مكرسة أساساً للحروب والصراعات ثم فاضت لتغطي الأغراض السلمية!
وقد استذكرتُ هذا الرقم الضخم المرصود لأبحاث الطاقة المتجددة وذلك أثناء جلسة نقاش مع بعض الزملاء عندما كان موضوع النقاش يتعلق بحجم الاستهلاك المتزايد من الوقود لاحتياجات السوق الداخلي السعودي حيث أصبحت المملكة من أكثر دول العالم استهلاكاً للنفط الخام على نحوٍ صار يهدد قدرتها التصديرية بعد أن قارب استهلاكها اليومي حوالي ثلاثة ملايين برميل وفق بعض التقديرات!
يُضاف إلى ذلك ويتوازى معه الاعتماد المتزايد على المياه المحلاة؛ إذ إن تحلية المياه تستهلك قدراً كبيراً من الطاقة. وبالنظر إلى أن المصادر المتجددة للمياه في المملكة شبه معدومة، ومع استمرار استنزاف المياه الجوفية غير المتجددة، فإن تطوير أبحاث الطاقة الشمسية التي ستُستخدم للتحلية يمكن أن يحل بشكل جذري مشكلة شح المياه بالمملكة لأن لدينا من هذه الطاقة ما يغطي جميع احتياجاتنا على مدار العام.
وهكذا يكون الرهان على استنبات وتطوير تقنية محلية لمواجهة المشكلات البيئية التي تمثل خصوصية لمنطقتنا وللمناطق الصحراوية الأخرى حيث إن التقنية الغربية رغم تفوقها قد انبثقت أساساً من احتياجات المجتمعات التي ظهرت فيها.
إن المأمول هو أن يصبح للمملكة ريادة بحثية في هذا المجال من خلال جامعاتها ومؤسسات البحث العلمي كمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية.. لا شيء يمنع من ذلك إذا تضافرت الإرادة مع القدرة المالية والعلمية، وهي كلها موجودة!
alhumaid3@gmail.comص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض