يقول مثل صيني ضارب في الحكمة (.. إذا أردت التخطيط للزراعة في سنة فعليك بزراعة « الأرز « وإذا أردت التخطيط للزراعة في عشرين سنة فعليك بزراعة « الأشجار».. وإذا أردت التخطيط للزراعة في عشرات السنين فعليك بزراعة الرجال !).

أستدعي هذا المثل اليوم في الحديث عن التخطيط الإستراتيجي في بلادنا... وهو حديث ذو شجون، فقد شهد المطبخ التنموي المحلي خلال السنوات الماضية - وما يزال - حراكاً كبيراً في إطار التخطيط تمثل في الخطط الإستراتيجية للعديد من الوزارات والهيئات والجهات الحكومية، كما شهدت أطروحات ورؤى متنوعة لعدد من المسئولين التنفيذيين على أعلى المستويات تلمس في بعضها بوضوح غياب الرؤية التكاملية لتحقيق الأهداف التنموية، بل وتقرأ في البعض الآخر منها أيضا التضاد المباشر في الأهداف!...

من المواقف التي أستحضرها في هذا السياق ماسمعته ذات لقاء إعلامي مع وزير الصحة الدكتور عبدالله الربيعة يقول فيه إن عدم قبول وزارته توظيف طلاب المعاهد الصحية بسبب الرغبة في رفع مستوى تأهيل العاملين في القطاع الصحي بحيث لا يقل المستوى التعليمي لهم عن الجامعي.. لتقودني الفرصة في لقاء آخر لأستمع إلى الدكتور عبدالله العثمان مدير جامعة الملك سعود وهو يتحدث عن رؤيته في أن تتحول الجامعة إلى خيار لعدد محدود من الطلاب بحيث يتجه العدد الأكبر من خريجي الثانوية العامة إلى المعاهد، ومنها الطبية التي تؤهلهم لفرص العمل التي لا تتطلب تعليما جامعيا !...

حين أحاول الجمع بين رؤيتي صاحبي المعالي أدرك المسافة الشاسعة بين المظلة الكلية في بلادنا للتخطيط والرؤية الجزئية لوزارة أو مصلحة حكومية وانعدام التنسيق أو ضعفه بين الجهات الحكومية حتى في أهم قضايانا ألاستراتيجيه وهي الموارد البشرية ومستقبلها... والأكثر خطورة ان هذا النوع من الخطط والرؤى تنعكس أثاره على الشباب والفتيات ممن اختاروا هذا الطريق أو ذاك، بالإضافة إلى انحسار مساحة اليقين والوضوح إمامهم في المستقبل في تحديد مسارهم في ظل خيارين متناقضين ؟... لكن السؤال الأكثر إلحاحا اليوم كم هي عدد الرؤى والخطط من هذا النوع في بلادنا وما حجم أثارها المستقبلية، وهل سنتعرف على تضادها في الوقت المناسب ؟