لو نظر المرء بعين منصفة لاكتشف بسهولة أن ما يجري في مجتمعنا من حراك يتولى كبره أطراف قابعة في حصونها، ويذهب ضحيته أولئك الذين ارتضوا -طوعاً أو كرهاً- أن يكونوا وقوداً لمعارك لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
المسألة برمتها تتعلق بالعقل البشري الذي يذكرنا المولى سبحانه وتعالى بأهمية استخدامه الاستخدام الأمثل، إذ لا حصر للآيات القرآنية التي تحث على التدبر والتفكر، ولكن أكثرهم «لا يعقلون».
لا تكاد تمر مناسبة أو يتخذ قرار إلا وتثور الثائرة، وتفتعل المعارك، ويتم تبادل الاتهامات، لدرجة أنك تشعر أحياناً بالحرج، لا أمام العالم الآخر، بل أمام شريحة الشباب الذين يستكثرون أن يجري كل هذا ممن يتطلعون إليهم كقدوة لهم في مسيرتهم الحياتية.
لا يراودنا شك بأن هناك حيلاً شتى يستخدمها مشعلو هذه المعارك، فبعضهم يعلم أن مصداقيته في الحضيض، لذا يسعى إلى توريط أهل العلم والمصداقية عن طريق الكذب عليهم، والاستعانة بشهادات الزور، وهؤلاء بدورهم لا يتثبتون، بل يجعلون أنفسهم حطباً يزيد اشتعال النار دون إدراك منهم للهدف الأكبر من وراء كل ما يجري، والدلائل هنا كثيرة جداً.
أيضا، فإن بعضهم يتحول إلى كتلة تناقضات متحركة، فيبالغ في تصوير ما يجري هنا من أحداث، ويثير العامة بمقولات مستفزة، مع أنه هو ذاته يشارك في مثل ما يجري هنا وأعظم عندما يكون خارج نطاق الوطن، وكل هذا مثبت بالصوت والصورة، ما يجعلك تتساءل عما إذا كانت «المعايير» تختلف باختلاف الزمان والمكان؟
وما يجعلك في حيرة من أمرك هو أخونا الذي لا تعرف له رأياً، فتارة تجده مع هؤلاء، وتارة مع أولئك، فهو مع الريح أينما مالت، ويصر على أن يكون له قرص بكل عرس، لذا تجد له عدة آراء في القضية الواحدة، حسب سير الريح ورغبة الجمهور، وهذا كله يجري رغم إصراره على أن يطلق عليه لقب «المفكر».
إن المؤلم في كل ما يجري هو أن العينات السالفة الذكر من مثيري الفتنة في كل محفل لا يبرحون أبراجهم العاجية، فقد تكفلت لهم وسائل الاتصال بإيصال رسائلهم إلى «أدواتهم» التنفيذية، وهم يتفرجون من علو منتظرين ما ستسفر عنه المعركة، تماماً كما فعل إخوة لهم فيما سلف، عندما قتل كثير من شباب البلاد بسبب تحريضهم لهم، في الوقت الذي ما زالوا هم يتقلبون بالدمقس والحرير، وقد زادت أرصدتهم المادية وتوسعت منازلهم، وتطورت وسائل عيشهم الكريمة، وكأننا نعود للمربع الأول من جديد.
وختاماً، لا ندري إلى متى ستستمر هذه المعارك المفتعلة، ولكننا ندري أنها أصبحت مضجرة بشكل يفوق كل تصور، إذ إنها تتدخل بشكل سافر بخيارات المواطنين المباحة شرعاً وعرفاً، وهذا أمر غير مقبول.
فاصلة: «أفضل طريقة لتدمير العدو هي أن تكسبه صديقا»... أبراهام لينكولن.
ahmad.alfarraj@hotmail.comتويتر @alfarraj2