الحديث عن إنشاء مدينة صناعية نسائية، يبدو أنه حديث عاطفي نظري، من الصعب تطبيقه على أرض الواقع إذا ما عرفنا متطلبات المدن الصناعية من بنى تحتية وخلافه، ولا سيما أننا نتحدث عن قطاع صناعي، إلا إذا كان المقصود محلات نسائية بسيطة، على شاكلة المجمعات التجارية النسائية التي لم تنجح في جذب المتسوّقات إليها، وبحسب التقديرات الإحصائية لا تتجاوز المستثمرات في الصناعة أكثر من 3 في المائة من إجمالي المستثمرات بشكل عام في المملكة وآخر إحصائية تؤكد أن عدد السجلات التجارية يزيد على 800 ألف سجل في مختلف القطاعات ومنها الصناعية، 22 في المائة من السجلات يدخل فيها العنصر النسائي كمالكة أو مشاركة، أي هناك أكثر من 200 ألف مستثمرة إلا أن 30 في المائة من المستثمرات في الواقع هن غطاء لرجال أعمال من موظفي دولة أو القطاع الخاص.
* * وعدم وجود مدينة مستقلة، لا يعني العمل في بيئة مختلطة، كما يظن البعض، بمعنى القضية ليس أبيض أو أسود، فالمرأة شاركت في القطاع الصناعي دون أن يكون لها «مدينة» لا يدخلها الرجال، ولدينا تجارب متميزة لمشاركة المرأة في الصناعة، وهناك العديد من المصانع لديها خطوط إنتاج تعمل عليها النساء وحققن نجاحاً كبيراً بشهادة أصحاب تلك المصانع، بل إنهن أكدن تفوقهن على الرجال، وهي تجربة متميزة يمكن تطويرها وتوسيعها، وربما أن ذلك أجدى من بحث إنشاء مدينة مستقلة تحتاج لملايين الريالات وبمستقبل غير مضمون.
* * لا يجب أن نختزل القضية في «مدينة للرجال، وأخرى للنساء»، فالمهم هو إيجاد بيئة صالحة للاستثمار النسائي من حيث التسهيلات والأنظمة والإجراءات، مما يوفر فرص عمل للمرأة وتوفير بيئة مناسبة تحفظ للمرأة حريتها، لتمارس أعمالها التجارية والصناعية، دون تحميل الوضع أكثر مما يحتمل من تأويلات ونظريات وتعقيدات، فالبيئة المناسبة للمراة سواء للعمل أو الاستثمار لا تعني وجود مدينة خاصة، وإنما في توفير الأنظمة والقوانين التي تحمي المرأة وتساعدها على الإنتاج في ظروف عمل جيدة.