شغلنا في هذا الزمن بكثرة المشاحنات والخلافات والردود والقيل والقال وغيرها من المشغلات المضيّعة للوقت وغير المثمرة، مما ضيِق مساحات البناء والتأسيس لإعطاء شبابنا وفتياتنا قوة مناعة تؤهلهم لأن يكونوا بأنفسهم قادرين على صد ما يحرّف اعتقادهم ويجرهم إلى الانحرافات العقدية والأخلاقية، ثم فتحنا الأبواب أمامهم مدّعين أن الحرية خاصية إنسانية كرّم الإنسان بها فللإنسان أن يقرأ ما شاء ويسمع ما شاء، فلم نكسبهم المناعة الذاتية، ولم نمنعهم عن المهلكات.
أيام ويقبل علينا معرض الكتاب الذي نتطلع له للحصول على كثير من الكتب التي نحتاجها، ونشكر وزارة الثقافة لرعايتها له واهتمامها به، وهدفها السامي هو تنمية عقل الإنسان وتثقيفه، إلا أن الأهداف تحتاج لرعاية أيضاً، فمن العسير أن نجعل الناس على مستوى واحد من التعقل والتفحص والمناعة فنتيح كل الكتب مهما كان محتواها الفكري والأخلاقي، ونحن نعلم أن كثيراً من كتب السياسة تمنع في بعض الدول لأنها تهدد الأنظمة القائمة فيها ولا يعترض معترض، والإنسان لدينا هو الأهم ونحتاج لحمايته على الأقل حتى يكون لدينا جيل قوي يستبعد تلك الأفكار تلقائياً على الأعم الأغلب، ونؤمل من وزارة الثقافة أن تحفظ عقول شبابنا وتحميهم من أنفسهم بمنع كل ما يسيء لهم ولدينهم. وكما يقول الأستاذ الدكتور عبد الكريم بكار (زود الله أجسامنا بجهاز للمناعة يساعدها على المحافظة على آلية عملها وعلى صيانتها من الوافدات الأجنبية التي يمكن أن تضر بها وتقضي على سلامتها..... نحن على المستوى الفكري في حاجة إلى جهاز مناعة مماثل من أجل حماية فكر الأمة من التدمير) وإن كان هناك منهم حدثاء سن لم يصلوا إلى مرحلة الفرز والتمحيص فمن واجبنا توجيههم والأخذ بأيديهم وإبعادهم عن الشبهات باستبعاد الكتب والروايات التي تمس مبادئنا الدينية وثوابتنا الأساسية عن متناولهم. إن الحرية مسؤولية والمسؤولية تعني تحمل تبعات الاختيارات، واختيار عدم المنع يعني أن المعين على وصول هذه الكتب مسؤول أمام الله عن هذه المآلات التي لم يلقِ لها بالاً ولم يصغِ للناصحين، وكذلك كل فتى أو فتاة اختار كتاباً فهو مسؤول عما ستؤول إليه أفكاره بعد ذلك تأثراً به، هكذا إن ربطنا الحرية بالمسؤولية أصبحنا أكثر تأملاً وتدقيقاً في اختياراتنا أكثر من مجرد رفع شعار (الحرية) دون النظر إلى جانبه الآخر (المسؤولية).
ومن المقترحات التي تفيد وننصح بها المثقفين والعلماء أن يعدوا قوائم تحوي كتباً ينصحون بها للشباب والفتيات، متنوعة متعددة مفيدة عميقة، فهذا عامل مؤثر ومهم لحصر الاختيارات عن طريق النصح في كتب معينة والابتعاد عن كتب الإثارة أو كتب (كل ممنوع مرغوب).
ومما استوقفني قول الشيخ الفاضل الدكتور محمد العوضي حفظه الله (أولادنا اليوم يقرؤون قراءة كثيفة لكنها قراءة غير منهجية ومشتتة) إذ لا بد من الانتقاء الجيد لما نقرأه فلا نقرأ كل ما تقع عليه أيدينا والبعد عن كل ما لا فائدة له ولا طائل منه فعمر الإنسان أقصر من تضييعه فيما لا يفيد، وكما ننتقي من العناوين ما نحتاجه كذلك ننتقي من المؤلفين كما قال العقاد (الشخص قبل النص) إذ لا بد من التركيز على المؤلف، فالكتاب - في الغالب - يصطبغ بتوجهات كاتبه.
- الرياض