مدينة رائعة وشاسعة كالرياض، مدينة لا تكاد تنام حتى تصحو من جديد، مدينة كبرت حتى أصبحت مدناً في مدينة واحدة، مدينة أطوالها أصبحت تضاهي أكبر مدن العالم وأوسعها، مدينة تنام فيها ناطحات السحاب أو الغبار، مدينة بدأت تنمو فيها أشجار مركز مالي يثير الإعجاب والدهشة معاً، مدينة نحبها كلما أبعدنا عنها، ونضيق بها كلما تهنا في اتساعها وازدحامها، ماذا يمكن أن تصبح هذه المدينة؟
كثيراً ما أفكر كيف يمكن أن تنمو مدينة هائلة، وبعدد سكاني كبير كالرياض، دون أن يكون فيها أي مصدر للماء، شريان الحياة، كيف يمكن أن تبقى مدينة لا نهر ولا بحر فيها، ولا مياه جوفية، تلكم المياه التي نضبت حتى في أكثر المناطق زراعية كالقصيم وحائل والجنوب، فلم يعد الماء يسهل العثور عليه إلا بعد أن تجتاز الحفارات أفق الألف متر داخل الأرض، ولكن يبقى لدى المناطق الأخرى فرص أفضل للعيش، لكن ماذا سيكون حال مدينة تستقدم الماء من البحر كما تستقدم العمالة من أنحاء العالم، ماذا لو تعرضت هذه المدينة إلى اعتداء من دول أخرى، كيف سيصبح حالها بعد أن يموت ناسها عطشاً، من أين يأتي الماء؟
أرجو ألا يأتي أحد ويقول إننا سنبتاع المياه المعدنية، كما قالت ذات تاريخ، سيدة فرنسا، بأن على الشعب الذي لا يجد الرغيف، أن يأكل بسكويتاً، فالماء وقتها سيكون فقده أشد ضرراً من الرغيف ومن النفط!
أذكر أنني كنت في أواخر التسعينيات الميلادية في بريطانيا، وأذهلني أن هناك مؤتمراً ضخماً على مستوى البلاد يناقش الجفاف! تخيلوا أن يناقش الجفاف ويبحث في أسبابه دولة لا يكاد غيمها يتوقف شتاء وصيفاً، بينما نحن لم نبذل أي جهد للبحث في مأساة الجفاف التي نعاني منها، فهل ننتظر المأساة كي نبحث عن الحلول، أم نسعى من الآن للبحث عن وسائل توفير احتياطي ماء، فلسنا بحاجة إلى أن نكون أكثر دول العالم في احتياطي النفط، بل نريد أن نكون كذلك في الماء، أو على الأقل أن نوفر الماء كاحتياطي داخل أراضينا لمواجهة الأزمات التي تجعل من أي بلد، حتى ولو كان جنة، أشبه بخراب منتهٍ!
أتمنى أن تسعى وزارة ذات علاقة، كوزارة المياه، ببحث كل السبل والدراسات والأبحاث التي من شأنها أن تجعلنا في أمان من العطش، لأن ذلك أكثر أهمية من أي شيء آخر، فإن تحتضن أرضنا احتياطي ماء لكي يعيش الإنسان، أهم من أن تحتضن النفط والغاز والفوسفات والذهب وكل أنواع المعادن الثمينة.