خرج الحوار الوطني التاسع عشر المنعقد في حائل الأسبوع الفائت، تحت عنوان: «الإعلام السعودي.. الواقع وسبل التطوير»، بعدد من التوصيات التي أخشى أن تكون كتوصيات اللقاءات السابقة الصادرة على مدى ما يقارب الـ10 سنوات، مجرد حبر على ورق! مع عدم وجود آلية لمتابعة تنفيذ هذه التوصيات مع الجهات المختصة.
أكثر توصية استرعت اهتمامي في هذا اللقاء، ما جاء عن ضرورة الفصل الوزاري بين الثقافة والإعلام، هذه الخطوة المهمة والضرورية في دولة كبيرة مترامية الأطراف، ترعى ذاك الحدث الإعلامي، وذاك الثقافي، مما لاح بوجود نقص كبير في الدور المؤسسي للجهتين، إذا ما نظرنا إلى أن معظم العاملين في هذا القطاع الحكومي هم عبارة عن «موظفين» وإن كنت اكتشفت شخصيًا عددًا منهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أن لديهم بساطة فكرية ومعرفية، حتى إن أحد من يتبوأ مقعدًا مهمًا بالوزارة لفت نظري في موقع (تويتر) وهو يقوم بنشر الشائعات المقززة، فإن كانت هذه سلوكيات مسؤول فكيف نعتب على بداهة العامة؟
إن ما أقوله هنا، عبارة عن رؤية عامة ولا تدخل في مجال التعميم، فالغالبية رجال أكفاء بدرجات علمية عليا، ومثل ذاك الذي أشرت له في المثال هو حالة -شاذة- لكنها تؤثر في رؤيتنا حول العاملين في هذا القطاع.
أضف إلى هذا الحالة «البيروقراطية» التي تمنح العمل وآليته رتابة عالية وتقتل الحالة الإبداعية لدى الموظف نفسه، كما هي لدى الإعلامي والمثقف، وعطفًا على ما ذكرت، فإن العامل في هذا القطاع من الضروري أن يكون أحد مكوناته ومن نفس البيئة وبنفس التخصص، ولا يكفينا أن يكون هذا مقتصرًا على القيادات الإدارية، بل من الضروري أن تعمم الفكرة على جميع الموظفين صغيرهم قبل كبيرهم، لأن القائد الإداري المتميز لن يتمكن من إيجاد أي تغيير إن لم يتم العمل ضمن الفريق الواحد المتخصص والمتحمس.
الأمر المهم في التعارض ما بين الإعلام والثقافة، هو اختلاف طبيعة الدور سواء من الناحية الرقابية، أو من ناحية آلية العمل، وفصل الإدارات وتخصيص كل منها بمهام لم يُعدُّ مجديًا في هذه المرحلة التي يتسارع فيها الإيقاع الإعلامي من جهة، والدور الثقافي من جهة أخرى، خصوصًا إذا ما تفحصنا سريعًا الوضع الفكري العام، الذي يتضح من خلاله أن ليس كل إعلامي مثقفًا، في المقابل ليس كل مثقف إعلاميًا.
على أن نبدأ بتحديد مفهوم، من هو الإعلامي؟ ومن هو المثقف؟ وإن كنت أرى أن تحديد الثاني يبدو شائكًا أكثر ولا زال اجتماعيًا يعدُّ «مبهمًا»؛ لأن الثقافة بحرٌ واسعٌ من المفاهيم والتخصصات، لكن لو كان لدينا قطاع وزاري يتمثل بالتخصص الثقافي، فإن هذا سيعطي مفهوم المثقف إيضاحًا وتجسيدًا اجتماعيًا يزيل اللبس أيضًا القائم حول الدور والمفاهيم.
هناك من يقول: إن مخرجات القطاعين واحدة، لا أشكك في هذا وأن التثقيف هدف مشترك، لكننا في هذا الوقت نعيش على رؤية جديدة تحتم أن نقوم بصناعة إعلام، وصناعة ثقافة، فما يمكن أن يكون محرمًا في القطاع الأول، يكون مباحًا في الثاني، وهذا سيبعد أفراد المجتمع ومن بينهم «نخبة» عن اللبس الحاصل حينما يقرأ أحدهم رواية أدبية ويحاكمها إعلاميًا واجتماعيًا، وهنا يأتي الدور المؤسساتي لرعاية الفكر الثقافي على مستوى العامة وليس النُخب وحدهم.
الفصل بين قطاعي الثقافة والإعلام بات مطلبًا ملحًا لهذه المرحلة، يقوم على دماء جديدة مليئة بالحماس والأفكار التي تبني مجتمعًا حضاريًا في رقيه الفكري والثقافي، وليعذرني بعض الزملاء في القطاعين إن قلت: لعل إيجاد كيان ثقافي مستقل يبدأ أولاً بتثقيف المثقفين، فمواقع التواصل الاجتماعي كشفت عن هشاشة فكر البعض، وضعف ثقافة الحوار والتواصل لدى البعض الآخر، مما يعود إلى استنتاج أحيله إلى مؤسسة الحوار الوطني، في أن ثقافة الحوار لا زالت شبه معدومة، وخوفي بعد كل هذه السنوات أن المؤسسة في فلك بعيد يغرد خارج سرب الواقع والاحتياجات!
www.salmogren.net