بعض الجامعات والأندية الأدبية السعودية منحت كرسياً للبحث العلمي، فأصبح الباحث العلمي يستطيع أن يجلس بعد أن تعب من الوقوف، بينما الأدباء منذ محمد حسين زيدان وحتى محمد حسن علوان، مروراً بأدباء كثر أثروا الأدب السعودي، لا يجدون كرسياً يجلسون عليه، إذ إن معظم مؤلفاتهم التي أنجزوها خلال حياتهم الطويلة، أنجزوها وقوفاً، حتى تصلّبت شرايين سيقانهم، كما لو كانوا معلمي الصفوف الابتدائية!
لا أسخر حينما أشير إلى الكرسي الذي يجب أن يجلسوا عليه، وإنما أردت الإشارة إلى تفرغ الأديب لإنجاز رواية أو مجموعة قصصية أو مجموعة شعرية أو نص مسرحي، فكلما تذكرت أن الأديب الراحل إبراهيم أصلان، الموظف في هيئة الاتصالات السلكية واللاسلكية، قد أنجز رائعته «مالك الحزين» بعد أن كتب له الروائي النوبلي نجيب محفوظ، زمن السبعينيات، تزكية يحصل بموجبها على منحة تفرغ، كي ينجز روايته الأولى، شعرت بالإحباط، أننا هنا نقاتل كي نلتقط من فتات الوقت المسروق ما يسعفنا كي ننجز رواية، تتأجل مراراً بسبب العمل والوظيفة، والصحافة أيضاً.
فما الذي يمنع أن تتنبّه الأندية الأدبية، وهي منتشرة في كل المناطق، لأن تخاطب الجهات والمؤسسات التي يعمل فيها المبدعون، كي تحصل منها على منحة تفرغ، كي ينجز هذا الأديب أو ذاك، رواية أو مسرحية، فقد تعب معظمنا من العمل والكتابة معاً، والركض في الوقت الضائع كي ننجز ما تأخر، أو أن ننجزه على عجل، ودونما إجادة، لاهثين خلف ما ضاع من أعمارنا، فلم يصبح الأديب باحثاً كي يتم منحه تفرغاً لإنجاز بحثه، ولا هو أصبح لاعباً، كي يحترف الكتابة كما احترف هؤلاء اللعب.
أتمنى على الأندية الأدبية، والتي بدأت في منح العضوية الشرفية للأسماء المؤثرة ثقافياً وعلمياً، لتنافس بذلك الأندية الرياضية، أن تكمل مشروعاتها، وأن تدرك أن لاعبيها الحقيقيين هم الأدباء، لا الباحثون ولا الأكاديميون ولا الخطباء ولا الدعاة، فهؤلاء لهم مواقعهم ومنابرهم، وهم ليسوا بحاجة إلى الأندية الأدبية، ولا إلى فزعتها إليهم!
في الغرب، واسمحوا لي أن أستنجد بتجاربهم، يحصل الأدباء على منحة التفرغ من دور النشر الخاصة، لأنها تخطط بطريقة متميزة لتسويق الكتاب، ومنح الكاتب كل ما يضمن أن يكون منجزه رائعاً ومكتملاً، كي تضمن أرباحاً عالية، تتضمن تعويضها عما منحته الكاتب من مال ووقت طوال فترة إنجازه لكتابه.
لا أعتقد أنه في تاريخ النشر العربي، وأتمنى أن يصحح لي من يعرف خلاف ذلك، أن منحت دار نشر عربية خاصة التفرغ لكاتب ما، كي ينجز كتابه، ويمتلك الوقت كله كي يبحث ويقرأ ويسافر ويتأمل ويكتب ويصحح، كما لدى الكاتب الأجنبي، لكن إن حدث ذلك مستقبلاً، فهو أهم بكثير من منحة تفرغ يحصل عليها الأديب من ناد أدبي أو وزارة أو أي قطاع حكومي، وذلك لضمان حريته واستقلاله في الكتابة، كما يحدث حينما يتعامل معه ناشر خاص.